رئيس التحرير
عصام كامل

يوم يفر المرء

أغلقت دول العالم حدودها وفرضت حظر التجوال علي مواطنيها وأعلن الجميع حالة الطوارئ، وأعلنت بعض الدول التعبئة العامة لجيوشها فلا صوت يعلو فوق صوت الحرب على فيروس كورونا.

 

أموال دون حساب رصدتها الدول لمواجهة ذلك الفيروس اللعين، وبالرغم من كل هذا الحصار لم يستطع أحدا ضبطه متلبسا وهو يعبر حدود الصين متجولا حول العالم، مخترقا لحصونه لا يهاب حراس حدوده يصيب ويقتل كل من يقابله.لم يستطع أحدا حتى الآن إيقاف ذلك الوحش الصغير حجما، الكبير تأثيرا.

 

رغم قوة الدول وما يملكونه من أسلحة يهددون بها بعضهم البعض ليلا ونهارا بالفناء والإبادة إلا أنهم يقفون أمام ذلك الفيروس وقوف العاجزين، أصاب الهلع الجميع وطال المرض الغني، الفقير، الأمير والغفير. توقفت آلات المصانع فى بعض الدول عن الدوران، مدن بأكملها خلت من الأحياء وامتلئت بتاوبيت الموتى وكأن الله يرينا مشهدا من مشاهد يوم القيامة.

 

اقرأ أيضا: جريمة داخل المدارس في حق النشيد الوطني

 

منذ انتشار فيروس كورونا بهذا الشكل المرعب توقف تفكيري عن كل شيء، إلا من قول الله عز وجل في سورة عبس  {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}

هذا هو المشهد الآن الجميع، يفر من الجميع، فماذا سيفعل الأخ لأخيه أو أمه وأبيه أو زوجه وأبنائه إذا ما اخترق كورونا جسد أحدهم، بالطبع سيفر منه ليس لأنه لا يحبه لكن لأنه لا يستطيع حمايته علي العكس فالبقاء جانبه حتما سيصيبه وربما يميته.

 

اقرأ أيضا: أحضنوا أمهاتكم قبل الممات

 

وبنظرة تفكرية أوسع نجد أن الدول ذاتها تفر من بعضها البعض، فتنغلق علي نفسها لعلها تنجو من ذلك الوباء، وبالرغم من وضوح الصورة إلا أن البعض ما زال لا يراها بوضوح فنجد من يتكالب علي شراء المأكل والمشرب وكأنه اتخذ على الله عهدا أن ينجيه من هذا البلاء، وفي المقابل نجد تاجرا جشعا يستغل المأساة لجمع الأموال الحرام وكأنه أمن عذاب الله.

 

حتى الدول أضحت عصابات فهذه التشيك تسرق المعونات الطبية المرسلة لإيطاليا المنكوبة، وتلك باخرة تتعرض للسطو وهي في طريقها لتونس محملة أيضا بمواد طبية، وأمريكا المتغطرسة تمنع المساعدات الطبية من الذهاب لإيران غير أبهة لحياة أناس لا دخل لهم بعناد الساسة فيما بينهم.

 

اقرأ أيضا: "ثلاثون عاما حرية".. مبادرة تستحق التكريم

 

ماذا ننتظر لنرحم بعضنا البعض ونتسامح فيما بيننا، ونعفو عن بعضنا البعض ونرد المظالم وننزل الناس منازلهم التي يستحقونها؟ ماذا ننتظر لنصلح الميل الذي احدثناه بميزان العدل حتي كدنا لا نري منه إلا كفة واحدة؟ ماذا ننتظر لنعلم أن ما نحن فيه هو فرصة منحها لنا الخالق عز وجل لنصلح ذات بيننا ونفر إليه بدلا من أن نفر منه؟

 

بالطبع لا أستثني نفسي مما أقول، وأدعو الله أن ألقاه وأنا مسامح للجميع داعيا أيضا أن يسامحني الجميع وأن ينجينا الله جميعا من عذابه، ويصرف عنا بلاءه فلنفر جميعا إلى الله.

ahmed.mkan@yahoo.com

الجريدة الرسمية