رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا يحب أصحاب المناصب منافقيهم ؟

الحقيقة المؤكدة هى أن كل صاحب سلطة ومنصب يحب -إلى حد العشق- من ينافقونه ويكيلون له قصائد المدح والتزلف والتملق والتطبيل فى كل مايفعله إلى حد إقناعه بأنه أسطورة فى مجاله، هؤلاء يسحقون ذواتهم من خلال معسول الكلام والأكاذيب والتذلل والانبطاح والمناشدة والفداء بالروح والدم، وبالتالى يصبحون من الحواريين وأصحاب الحظوة ويتم ترقيتهم ومنحهم امتيازات أدبية ومالية لا يستحقونها دون غيرهم ممن هم أكثر كفاءة منهم.

 

اقرأ أيضا: وزير التموين.. من الإحسان إلى "الأنعرة"

 

الطريف أن هؤلاء المنافقين ينجحون فى إقناع صاحب السلطة أن طموحهم الوحيد هو إرضاؤه، وبالتالى يأمن على نفسه من الإطاحة به رغم أنهم أكثر من "يضربون" فيه من الظهر.

 

الطريف أيضا أن هذا الحب يحدث رغم علم صاحب المنصب أن هؤلاء المنافقين يذمونه فور خروجهم من مكتبه، ويستمر رغم علمه أن هؤلاء المطبلاتية هم أول من سيجاهرون بإعلان فرحتهم بزوال المنصب عنه.

 

واقرأ أيضا : يحدث فى الأتوبيس أبو 7 جنيه

 

فى نفس المكان أو المؤسسة هناك دوما أشخاص محترمون أكفاء أصحاب ضمير يقظ ويعتزون بأنفسهم وبكرامتهم ولا يقبلون على نفسهم الدنية وولاؤهم للمكان لا للأشخاص ويشكلون أكثرية، هؤلاء يرفضون بإباء وشمم نفاق وممالئة صاحب السلطة أو المنصب، وهم يصْدُقٌونه القول ويجاهرون فى وجهه بالحقيقة لوجه الله والمصلحة العامة– حتى لو كانت صادمة – لكنهم فى نفس الوقت لايغتابونه بسوء خارج الغرف المغلقة، بل يدافعون عنه فى غير وجوده.

 

هؤلاء المحترمون يتعرضون دوما لكل أنواع الاضطهاد والتنكيل وتضيع حقوقهم مقارنة بمن يجيدون التطبيل لأن الشعار الذى يحكم دوما فى كل أو معظم أماكن العمل هو "أصحاب الولاء فوق أصحاب الكفاءة".

 

أقول هذا الكلام بمناسبة ما ذكره عبد الهادى قنديل وزير البترول الأسبق فى مذكراته التى نشرها الزميل أسامه داود "عندما قال له مبارك : نريد أن نصدر غازا طبيعيا لإسرائيل فرد عليه قنديل : ليس لدينا غاز كافٍ للتصدير، ولما دخل معه فى جدال، أقاله فى أول تعديل وزارى.

 

اقرأ أيضا: كلام فى الغلاء

 

تلك هى سنة الحياة فى كل مؤسسات وهيئات وشركات مصر، عامة وخاصة ، بل أكاد أقول إنها سنة الحياة فى عالمنا العربى ، مبارك وغير مبارك لا يحب من يجادله من مرؤوسيه ، يحب من يقول له "سمعا وطاعة".

 

فى الوسط الذى أعمل فيه على سبيل المثال، هناك وقائع نفاق مقززة ومضحكة منها من قص على زملائه فى صالة التحرير بأنه حلم فى المنام بأنه سيصبح رئيس تحرير، فنهره أحدهم واشتبك معه واعتدى عليه فى خناقة كبرى على الملأ لأنه يقول كلاما يمثل "فال سيىء" على رئيس التحرير الموجود آنذاك.

 

ورئيس تحرير كان يصافح الصحفيين والعاملين المصطفين فى طابور لتهنئته بعودته من رحلة حج ، فقال أحدهم "حج مبرور وذنب مغفور ياريس" فرد عليه واحد من إياهم مستنكرا "هو الريس له ذنوب يا بنى آدم؟"

 

واقرأ أيضا: فلوس المعاشات من طأطأ لـ سلاموعليكم

 

وتروي الأساطير أن فردريك وليام ملك بروسيا كان يهوي الرسم، وفي يوم ما أفرط أحد وزرائه في امتداح لوحة جديدة رسمها فسأله الملك كم تساوي هذه اللوحة إذا أردت إن أبيعها؟ أجابه الوزير.. لا يوجد ثمن يقدرها يا مولاي، ألف جنيه من الذهب على الأقل، فقال له الملك سأعطيك خدمة بأن أبيعها لك بنصف الثمن، وأجبره على دفع خمسمائة جنيه ذهب ثمنا لها.

 

الخلاصة : أنك إذا كنت تفكر وصاحب شخصية ومعتز بنفسك ولا تقول "عٌلِم وينفذ" وتجاهر برأيك المخالف، فستوصف من رئيسك بأنك "رذل" و"تنك"، ويتم ركنك على جنب رغم كفاءتك وأمانتك وخبرتك.

 

الجريدة الرسمية