رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

فلوس المعاشات.. من طأطأ لـ"سلامو عليكم"


تلك هي حكاية أموال المعاشات في مصر باختصار.. "نظام فاسد سابق عبث بأموال الغلابة وترك مديونية، ونظام حالى شال "قربة" سابقة "مخرومة" معلنا تحمله مسئولية السداد، فأخد ما تبقى من المديونية بهدف حل أزماته المالية رافعا شعار "تصفير وتقسيط الدين" "واللى فات مات" و"احنا ولاد انهاردة".


وهكذا أصبح ظهر أموال الغلابة مكشوفا ولا يستطيعون تأمين أنفسهم من غدر الزمان وتقلبات السنين، فلم يعد لصناديق تأميناتهم صكوك صادرة من الدولة، ولا لهم فلوس في بنك الاستثمار ولا استثمارات مباشرة ولا أي شيء.

ولكن يا عالم ياهوووه.. هل تستطيع الدولة دفع 160 مليار جنيه سنويا لمدة 50 عاما؟ و"يا ترى مين يعيش"، ومن يحاكم وزراء نظام المخلوع مبارك إذن على جريمتهم؟

وبالعودة لأصل المأساة سنجد أن المحسوبية والفساد جعلا دولة "مبارك" تتعامل مع أموال الغلابة وكأنها لقيطة بلا أب، و"تكية" بلا صاحب، وغنيمة بلا أحد يدافع عنها، فرأينا "صفوت الشريف" أحد أجنحة ذلك النظام يغرف منها 6 مليارات جنيه لمدينة الإنتاج الإعلامي، وشاهدنا رئيس الوزراء وقتها "كمال الجنزورى" يسحب 8 مليارات لمشروع توشكى الذي طاله فساد للركب، ثم يقول لـ"ميرفت التلاوى" وزيرة التأمينات المسئولة آنذاك "معلشى اعتدينا على أموالك وخدنا من البنك 8 مليار جنيه"..

الطريف أن هذه الأموال لم تردها حكومات "مبارك" المتعاقبة للتأمينات بل لم تسجل وقتها كمديونية.

سيناريو العبث بأموال المعاشات في زمن "مبارك" اكتمل عندما قام الهارب "يوسف بطرس" وزير مالية نظام "مبارك" بزيارة مفاجئة لـ"ميرفت التلاوى" بصحبة رئيس أحد البنوك الأمريكية وطلب منها 200 مليار جنيه من فلوس المعاشات ليستثمرها في السوق العالمية خارج مصر، وكان جواب الوزيرة "ولو وقع السوق هدفع معاشات إزاى" ثم أبلغته "لغاية كده الزيارة انتهت"، غير أنه أسَرَ هذا الطرد في نفسه.

ولما كانت مصر عزبة لـ"شلة" الوريث، كانت النتيجة أن ألغى الطفل المعجزة وزارة التأمينات برمتها وجعل من نفسه مسئولا عنها، ثم قرر ضم أموال التأمينات إلى الخزانة العامة، وأخذ منها 192 مليار جنيه لسد عجز الموازنة العامة، كما أخذ 200 مليون جنيه أخرى وأودعه ببنك الاستثمار القومي، ومبلغ 300 مليون جنيه أخرى من صناديق تأمينات القطاع الخاص للمضاربة بها في البورصة وتسبب برعونته في وقوع خسائر بلغت 60 % من أصول تلك الأموال، ليصبح إجمالى دين الدولة على التأمينات نحو 692 مليار جنيه.

هذا السيناريو يكشف بوضوح كيف كانت تدار أموال البلد في السابق، فما علاقة أموال المعاشات بمشروع توشكى أو بمدينة الإنتاج الإعلامي، وكيف لوزير أن يتجرأ ويطلب سحب ثلث أموال مملوكة للشعب لحساب رئيس بنك ينتمى بصلة صداقة له؟

أموال التأمينات كانت في زمن "مبارك" كنزا ثمينا تستطيع الدولة تنميته لكى يحقق أرباحا خيالية، لكنها رفضت السماح لوزارة التأمينات بتملك أو استثمار أموالها في أحد المشروعات الكبرى مضمونة الربح وفيرة العائد كإحدى شركات المحمول أو الحديد والصلب أو الأسمنت مثلا، وأنكرت حق أصحاب المعاشات في أن يشتروا بـ"تحويشة عمرهم" أسهم إحدى تلك الشركات لتدر أرباحا تصل إلى 25% بدلا من الـ 8% عائد فائدة البنوك وبالتالى تتضاعف معاشاتهم 3 أضعاف وبالتبعية تساهم في تحسين مستواهم.

وجاءت ثورة بعد ثورة وظلت المديونية قائمة، وأوجاع أصحاب المعاشات مستمرة، وإزاء هذا العبث قال الرئيس السيسي للحكومة بشجاعة كلمة واحدة "فلوس التأمينات ترجع" رغم أنها متراكمة منذ 12 سنة، من 2006 لــ 2018.

صحيح أن الموازنة العامة للدولة لاتتحمل أي عبء جديد، وصحيح أن الرئيس أعلن التزامه بتحمل مسئولية وتصحيح خطايا نظام سابق، غير أن الحكومة التقطت تعليماته وأوامره وبدأت تحل الأزمة ولكن بشعار "نبدأ من أول وجديد على مياه بيضاء"، فأصدرت في أغسطس الماضى قانون المعاشات الجديد والذي يبدأ تطبيقه من 1 يناير المقبل، وألزمت نفسها بدفع 160 مليار جنيه على أقساط لمدة 50 سنة يا مؤمن.

هذه هي الحكاية، أما عن القانون الجديد فأقول "لاأحد يستطيع إنكار مزاياه الكثيرة، وأهمها –من وجهة نظرى- الزيادة السنوية بنسبة مساوية لنسبة التضخم 15%، وكذلك البند الإنسانى الخاص بصرف نفقة جنازة للمتكفل بها إذا كان أهل المتوفى من البسطاء الذين لا يستطيعون تحمل نفقاتها.

غير أن حالتى إيقاف المعاش الواردة بالقانون اللتين يتم تطبيقهما على المستحقين من الورثة وليس صاحب المعاش، قد تلاحقهما شبهة عدم الدستورية إذا قرر أي محام صاحب مصلحة الطعن عليهما أمام المحكمة المختصة، وكما أعلنت وزارة التضامن في بيان رسمى - فإن المعاش ينقطع في حالة الالتحاق بأي عمل والحصول منه على دخل صافٍ يساوي قيمة المعاش أو يزيد عليه، وينقطع كذلك في حالة مزاولة مهنة تجارية أو غير تجارية منظمة بقوانين أو لوائح لمدة تزيد على خمس سنوات متصلة أو متقطعة.

حالتا إيقاف المعاش ياسادة ضد الحق في العمل وضد الحق في الحياة وضد الحق في تحسين مستوى المعيشة وضد أشياء كثيرة أخرى، ذلك أنهما افترضا أن المعاش هو منحة أو هبة أو زكاة من الدولة، وتناسيا أن تلك الأموال في الأصل هي تحويشة عمر الموظف المطحون وحق أصيل له ائتمن عليها الدولة ودفعها من عرقه وجهده أثناء سنوات عمله لها ويستردها منها، كما افترضت أنه ليس من حق الورثة المستحقين للمعاش أن يعملوا لتحسين دخلهم في ظل حالة الغلاء الفاحش التي نعيشها.

والسؤال الأهم لمن قام بتشريع هاتين المادتين، هل يكفى معاش الـ الألفين أو 3 أو 4 آلاف جنيه لكى يعيش صاحبه حياة كريمة في هذا البلد الآن؟

ورغم أن البعض يرى في مادة رفع سن المعاش تدريجيا لـ 65 عاما بداية من 2040 ميزة كبرى للموظفين، غير أننى أراها افتئات على حق الموظف في الإستراحة من عبء عمل وتعب ومشقة سنوات طويلة، وكأنها الدولة تقول له "لن تهنأ بمعاشك الذي أخذت تدفعه سنوات للدولة، وستظل تعمل حتى آخر يوم في عمرك".

وأخيرا، أحذر من تفشى ظاهرة الزواج العرفى، لأن القانون نص أيضا على قطع معاش أرملة أو بنت أو أخت صاحب المعاش المتوفى إذا تزوجت أو الأرمل إذا تزوج.
Advertisements
الجريدة الرسمية