رئيس التحرير
عصام كامل

الثروة مقابل السلاح.. صفقة السراج وأردوغان لبيع "الجماهيرية".. وحكومة الوفاق تفتح أبواب ليبيا لـ"أسلحة تركيا" وأموال قطر

الرئيس التركي اردوغان
الرئيس التركي اردوغان ورئيس الحكومة الليبية فائز السراج

«أكبر من مجرد اتفاقية»، من هنا يمكن المضى قدمًا للحديث عن الاتفاقية البحرية التي حرى توقيعها بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحكومة فائز السراج الليبية، والتي حددت إحداثيات المنطقة الاقتصادية بين البلدين، فرغم السرية المريبة المحيطة بها، أظهرت التسريبات التي نشرت حول تفاصيل الاتفاقية، أنها حددت المناطق البحرية لكل منهما في البحر الأبيض المتوسط، ليتمكن «أردوغان» من خلال تلك الاتفاقية من تنفيذ تهديداته للدول الأوروبية ونقل الإرهابيين إليها، من جهة، ومن جهة أخرى، إعطاء غطاء قانوني لانتهاكات مواقع السيادة لدول المتوسط من أجل التنقيب عن الغاز.

الاتفاق المشبوه

في المقابل رفضت مصر واليونان وقبرص الاتفاق المشبوه، واعتبروا أنه «غير شرعي» ويمثل «انتهاك سافر للقوانين الدولية»، وتبع ذلك إعلان الخارجية اليونانية طرد سفير حكومة الوفاق الليبية في أثينا، في تعبير صريح عن رفض مذكرة الاتفاق، والتأكيد على عدم التزام ليبيا بشروط اليونان فيما يخص مسألة مناطق النفوذ البحرية، في وقت تزايدت فيه المخاوف من تأثير تلك الاتفاقية على أمن واستقرار دول الجوار الليبي في ظل دعم تركيا للجماعات الإرهابية، وإمكانية استغلالها للاتفاقية في تعظيم دعمها للإرهاب بتلك الدول، ومواصلة مخططاتها لزعزعة الاستقرار فيها.

وكشفت تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عن نواياه الحقيقة من وراء اتفاقياته مع «السراج»، بعدما أكد «أردوغان» أنه من المحتمل أن يرسل قوات تركية إلى ليبيا في حال وجهت حكومة الوفاق طلبًا رسميًا لأنقرة في ذات الشأن، باعتباره الراعي الأول لحكومة الوفاق المنبوذة من الشعب الليبي، بما قد يحد من تقدم قوات الجيش الوطني الليبي في معركته لتحرير طرابلس من الميليشيات الإرهابية التي يعتمد عليها «السراج» في مسائل الأمن وفرض السيطرة، ولاقت تلك الدعوة ترحيبًا من جانب حكومة الوفاق، مؤكدة أنها «توافق على أي مساعدة تؤدي لتعزيز قدرتها في مواجهة الجيش الوطني»،ومنذ إطلاق الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، عملية تحرير طرابلس من أيدي الميليشيات المسلحة، المسماة بـ«طوفان الكرامة».

وفي أبريل الماضي، شعر «أردوغان» أن طموحات بلاده النفطية أصبحت مهددة، لاسيما في ظل البلطجة التي تمارسها أنقرة للتوسع في السيطرة على ثروات البحر المتوسط، ويقينها أن ليبيا البلد الغني بالنفط والغاز الطبيعي يمثل أحد أهم الخطوات في طريق تنفيذ طموحاتها، لذلك رأت أنه من الضرورى التدخل لحماية حكومة «السراج» الذي يستخدم الميليشيات الإخوانية المسلحة لمواجهة الجيش الوطني، وحماية طموحاته التي أطاح بها قائد الجيش الوطني في ظل التقدم الذي تحرزه قواته يومًا بعد يوم على الأرض.

التنقيب عن الغاز

يذكر هنا أنه منذ أشهر أطلقت تركيا سفن تنقيب عن الغاز قرابة السواحل القبرصية، ضاربة بالقوانين والمواثيق الدولية عرض الحائط، مستخدمة سفنا وبارجات حربية مسلحة، غير أنها وجدت رفضا وتحركات حقيقية من جانب الاتحاد الأوروبي الذي أعلن إعادة النظر في انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي، كما أعلن عن دراسة فرض عقوبات على الشراكة مع تركيا في عدة مجالات، ما دعا الأخيرة إلى ضرورة إيجاد ودعم حلفاء لها من دول البحر المتوسط؛ لمساعدتها وتمكينها من ممارسة أنشطتها التخريبية، فكانت حكومة الوفاق الليبية الخيار الأمثل لها للتعاون معها وتبادل المصالح، برعاية من جماعة الإخوان الإرهابية النشطة في أوساط حكومة السراج، والتي تلقى دعما واسعا من جانب «أردوغان» في كل دولة تتواجد فيها.

وفي هذا السياق كشفت مجلة «لوس أنجلوس تايم» الأمريكية تفاصيل صفقة، أشبه ببيع حقيقي لتراب الوطن الليبي وثرواته، أجرتها حكومة الوفاق الليبية مع تركيا، عن طريق تذليل كل الطرق أمامها للحصول على النفط والغاز الليبي، ومنحها حقوق التنقيب عنه في سواحلها على البحر المتوسط، في مقابل الحصول على أكبر قدر من الدعم اللوجيستي والعسكري لمواجهة محاولة الجيش الوطني الليبي تنقية الأراضي الليبية من الميليشيات المسلحة، في محاولة من حكومة الوفاق للتمسك بمطامعها في السلطة، ودحض أي محاولة لتوحد الصف الليبي على حساب التفريط في الثروات الليبية لصالح دولة تدرك أن مكاسبها من دعم الميليشيات المسلحة أضعاف ما ستقدمه من مساعدات عسكرية وأسلحة.

ورغم قرار حظر تصدير الأسلحة لليبيا، الذي أصدره مجلس الأمن الدولي خلال شهر مارس 2011م، استقبلت حكومة الوفاق الليبية في مايو الماضي مدرعات تركية من طراز «بي إم.سي كيربي» مضادة للألغام، تبلغ سرعتها 36 كيلومترًا في الساعة، بينما يصل وزنها إلى 16 طنًا، ويتكون تسليحها من مدفع رشاش عيار 7.62 ملم، وكذلك مدفع آخر عيار 12.7 ملم يكون مثبتًا على السطح العلوي منها، كما يمكنها استيعاب 12 فردًا بحد أقصى، وشملت الهدية التركية لحكومة الوفاق أيضًا أسلحة نوعية وذخائر مرت جميعها عبر ميناء طرابلس، وتسلمتها الميليشيات المسماة بـ«كتيبة لواء الصمود» التي يقودها الإرهابي صلاح بادي.

 إلى جانب الدعم التركي لـ«السراج».. لا يخفى على أحد دور الأموال القطرية في تمويل بعض الصفقات الواردة لحكومة الوفاق، على الجيش الوطني الليبي، الذي رصدت مخابراته مكالمات هاتفية أظهرت تجهيز تركيا لمنظومة دفاع جوي، تم تسليمها للميليشيات الليبية عبر الراعي القطري، الذي يحرص من جهة أخرى على تعزيز تواجد الجماعات المسلحة وتعظيم أدوار الميليشيات الموالية لتنظيم الإخوان الإرهابي، وتخصيص ميزانية محددة لإتمام تهريب الأسلحة لطرابلس بشكل سري عن طريق بعض الوكلاء السريين، وباستخدام كتيبة «راف الله السحاتي» التي تقع تحت قيادة الإرهابي إسماعيل الصلابي، شقيق على الصلابي في بنغازي.

بيع الأسلحة

وتزامنًا مع كشف صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» عن انطلاق شحنة أسلحة ومعدات عسكرية ومواد متفجرة وسيارات دفع رباعي من ميناء أنقرة باتجاه مدينة مصراتة الليبية، وفي الوقت الذي أحبطت فيه سلطات الجمارك الليبية دخول 20 ألف مسدس، ظهر الرئيس التركي في لقاء تليفزيوني تحدث خلاله -دون خجل- عن بيع الأسلحة لحكومة «الوفاق» بهدف خلق ما أسماه بـ«التوازن»، مرجعًا ذلك – حسب زعمه- إلى اتفاقات ومشاورات أمنية أجرتها الأجهزة الأمنية التركية على مدار أشهر مع قادة الميليشيات الليبية المسلحة من أجل الوقوف على احتياجاتها وسد مناطق العجز لديها سواء بالنسبة للأسلحة أو المعدات أو المركبات أو المواد المتفجرة.

بدوره.. قال محمد فتحي الشريف، الباحث في الشأن الليبي: إن «تركيا لا تدعم الشعب الليبي ولا حكومة الوفاق، بل تستحوذ على مقدرات الحكومة الليبية من خلال استثماراتها الضخمة الموجودة في طرابلس، والتي ضمنت من خلالها تحويل إيرادات الحكومة الليبية من النفط إلى الحكومة التركية من خلال اتفاقيات مباشرة جرت بين فائز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بدون رقابة من البرلمان أو لجنة المحاسبة الليبية».

وأضاف «الشريف» أن «الدولة التركية يهمها بدرجة كبيرة أن يظل الوضع مشتعلًا في ليبيا، نظرا لكونها تصدر أسلحة للميليشيات الإرهابية في طرابلس بمبالغ ضخمة، ومن جهة أخرى تحمي مصالحها الاقتصادية داخل طرابلس والتي تتعدى قيمتها الـ200 مليار دولار»، موضحًا أن «الخسائر الاقتصادية الفادحة التي تعرضت لها أنقرة على مدار الأشهر الماضية جعلتها تبحث عن دور قوي في المنطقة، يدعم مصالحها الاقتصادية في المقام الأول، كما هو الحال عندما انتهكت المواثيق والقوانين الدولية بالتنقيب عن البترول والغاز في البحر المتوسط»، كما أشار إلى أن ليبيا بالنسبة لتركيا «منجم» ومصدر دخل اقتصادي قوي، وبالتالي تصدر السلاح للميليشيات المسلحة التي تقتل أبناء الشعب الليبي، وتستخدمه لمواجهة القوات المسلحة الليبية، مؤكدًا أن ما يجري في طرابلس يعتبر حربا بالوكالة تديرها تركيا ودول إقليمية من خلال دعم الميليشيات الإرهابية أو ما يعرف بحكومة الوفاق، حيث تجتمع الميليشيات بدعم لوجيستي وتخطيط تركي؛ لمحاربة الجيش الليبي، وتابع: الجيش الليبي حاليًا يجفف منابع الميليشيات والمرتزقة، يحقق انتصارات متتالية عليهم رغم العتاد الضخم بحوزتهم، والذي كشف عنه تقرير مؤخرًا أظهر أن هناك 30 مليون قطعة سلاح في ليبيا ما بين خفيفة ومتوسطة تستخدمها الميليشيات لمحاربة الجيش الوطني.

التدخلات الأجنبية

من جهته، قال شادى نشابة المحلل السياسي اللبنانى: إن الشعب اللبناني يرفض التدخلات الأجنبية من أي طرف كان بشكل عام في شئونه الداخلية، مشيرًا إلى أنه في نفس الوقت الموضوعية تقتضي القول بأن كل من روسيا وأمريكا دول عظمى تتحكم بالاقتصاد العالمي، وأضاف «نشابة»، خلال حديثه لـ«فيتو»، أن النظام العالمي الجديد الاقتصاد يتحكم بالسياسة، ولبنان مهم للدولتين إستراتيجيا كدولة محايدة لإسرائيل أو فلسطين المحتلة، وأيضًا لبنان يوجد فيه حزب الله ذراع إيران في لبنان، مؤكدًا أن أمريكا تعتبر لبنان مهم إستراتيجيا في حربها الباردة مع إيران، وأشار إلى أن لبنان على الصعيد الاقتصادي، بدأ بمشوار التنقيب عن النفط والغاز، ويعد لبنان أيضًا دولة محادية لسوريا حيث يوجد دور في مرحلة إعادة إعمارها بالمشاركة مع روسيا.

نقلا عن العدد الورقي..

الجريدة الرسمية