رئيس التحرير
عصام كامل

التنمر السياسي


التنمر كما عرفه البعض هو سلوك عدواني غير مرغوب فيه من قبل شخص أو مجموعة تجاه شخص آخر أو جماعة أقل قوة بهدف الضرر، أو التخويف، أو التضييق. ظهر هذا المصطلح في السنوات الأخيرة وارتبط مجتمعيا بالأطفال الذين يعانون من الاضطهاد والعنف من زملائهم وأقرانهم في المؤسسات التعليمية.


لكن هناك نوعا آخر من التنمر وهو "التنمر السياسي" وممارسة سياسة الإقصاء والترهيب ضد أي شخص مخالف في الرأي والرؤى والفكر والأيديولوجية السياسية ليس بالضروري أن يكون التنمر صادرا من تيار فكرى أو سياسي مؤيد صاحب أغلبية أو أكثرية تجاه تيار آخر معارض يحظى بأقلية سياسية، لكن في أحيان كثيرة يكون التنمر من تيارات سياسية معارضة ضد تيارات سياسية وفكرية مؤيدة وأحياناً أخرى يكون التنمر ضد نفس التيار والاتجاه الفكري والسياسي الواحد.



انتشار واتساع حجم هذه الظاهرة في الوسط السياسي في السنوات الأخيرة يرجع لأسباب عديدة أهمها فقدان قيمة وأهمية احترام الرأي الآخر، وبدلا من العمل بالمقولة الشهيرة “إن رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غير خطأ يحتمل الصواب" أصبحنا للأسف نعمل بمقولة أخرى مناقضة وهي أن رأيي صواب لا يحتمل الخطأ، ورأي غيرى خطأ لا يحتمل الصواب.


يأتي من أبرز الأسباب أيضاً تراجع مستوى الثقافة والقراءة لدى السواد الأعظم من المواطنين خصوصا الأجيال الشابة فبدلا من أن تكون الحصيلة المعلوماتية قائمة على عدد كبير من المصادر الإعلامية والإخبارية المتنوعة أصبح المصدر الأساسي لمعظم المعلومات هي مصادر غير حقيقية مصادر افتراضية مجهولة المصدر معلومة الهدف وهو زيادة فجوة الخلاف والانشقاق بين أفراد المجتمع الواحد وبين التيارات الفكرية والثقافية والدينية المتنوعة تركزفي الأساس على ضرب النسيج المجتمعي وبث روح الشك والريبة بين أفراده وطبقاته.


سبب آخر وهو التعصب في الرأي الذي قد يصل أحيانا لحد التطرف والمغالاة في الدفاع عن وجهة النظر وهذا شيء كارثي يظهر بصورة مرعبة في معظم المناقشات السياسية التي غالبا ما تنتهي باتهامات متعددة بالخيانة والعمالة وتوزيع صكوك الوطنية التي أصبح الجميع يمتلكها وكل شخص أعطى لنفسه الحق في منحها لمن يشاء ومنعها عمن يشاء على حسب الهوى، هذا السلوك كان أحد عوامل عزوف عدد ليس بالقليل عن الاستمرار في العمل السياسي وتفريغ الحياة السياسية من بعض رموز جيل الوسط من السياسيين الذى نشأ عنه حدوث فجوة تواصل بين جيل الشباب وشيوخ السياسة . والسؤال هو إلى متى سنستمر في هذا التوجه والسلوك الذي أصبح أداة يستخدمها البعض للفت الانتباه أو تحقيق انتصارات وهمية وشعبية زائفة في الوسط السياسي وعلى منصات التواصل الاجتماعي؟


التنمر السياسي أداة الضعفاء المفلسين سياسياً وفكرياً الذين يعملون لمصالحهم الشخصية وليس للمصلحة العامة، فالأقوياء يستمعون دائماً لبعضهم منفتحون على كل الآراء حتى ولو اختلفت أفكارهم، لا توجد بينهم صراعات جيلية أو سياسية بل منافسة شريفة تفرض قواعدها المنضبطة على الجميع، يعملون دائماً على أرضية مشتركة قوامها الإعلاء من قيمة الوطن والمواطن.


الجريدة الرسمية