رئيس التحرير
عصام كامل

العراقي غريب في بلده


يتظاهر شعب العراق منذ أيام ضد الفساد، الفقر، الجوع، البطالة، تردي الخدمات، سوء المعيشة رغم ثراء البلد، والأهم من كل هذا سيطرة إيران على نظام الحكم، وتغلغل مليشياتها في جميع مفاصل الدولة، من هنا كان هتاف آلاف المحتجين في العاصمة العراقية وهم يحرقون صور الولي الفقيه "خامنئي" والعلم الإيراني "بغداد حرة حرة... إيران برة برة"، وأيضا "سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه".


ثمة مشاهد من الاحتجاجات العراقية، تكشف حقيقة ما يجري على الأرض، خطفت الأضواء عالميا، أبكت من تابعها وفي الوقت نفسه عكست الثقافة، الموهبة، الأصالة والطيبة العراقية، رغم القهر، المعاناة، شظف العيش، وتجبر الحكام والمليشيات الموالية لإيران.. أولها مشهد بائعة مناديل عراقية فقيرة بكماء، تعبر ملامح وجهها عن الهلع والشفقة على المحتجين من الغاز الكثيف، الذي يطلقه الأمن متبوعا بالرصاص، فتركض بينهم توزع عليهم "المناديل" مصدر رزقها، لأنه ليس لديها شيء آخر تساهم به في حمايتهم.

صرخ شاب صغير عاري الصدر، حتى بح صوته، موجها تساؤلاته للمسؤولين "نحن شعب العراق، لا نتبع التيار الصدري ولا السيستاني، لا سنة ولا شيعة ولا أكراد.. نحن عراق، لماذا تطلقون علينا الرصاص الحي.. لما الغاز المسيل للدموع.. أليس أنا وغيري من الشعب، لماذا لا يستمع إلينا أحد؟.. الله أكبر على كل ظالم وعلى كل من باع العراق.. يعني من أنتم حتى لا تعطونا حقوقنا ولا تسمحوا لنا بالتظاهر.. أنا شاب صغير لم أجد عملا إلا في ورشة إصلاح سيارات بمبلغ زهيد حتى أعول عائلتي.. الله أكبر عليكم".

لينشد متظاهر آخر موهوب بصوت شجي معبر ولغة عربية سليمة "يا عالم ناديتك فاسمع" وخلفه النيران المشتعلة. أما الطفل الفصيح، الذي لم يتجاوز 14 عاما، وولد خلال احتلال أمريكا للعراق، فأبكى بحديثه الجميل أحد مراسلي القنوات الفضائية وكل من شاهده، ثم بكى هو شخصيا على ما آلت إليه بلده. يقول الصغير الفصيح إن أهله أبلغوه "أن العراق كان عظيما، وبغداد كانت عظيمة وجميلة، لكنه لم ير فيها سوى النفايات في كل مكان وكل شيء محطم، ثم ما ذنب سكان البصرة يعيشون وسط القذارة وروائح لا تطاق من مياه ملوثة، حتى صرنا نبكي على أهلها، الحين ما نعرف نعيش ولا نستمتع بحياتنا مثل ما كان أهلنا في السابق.. والله ما عندنا وطن بس نريد نحس بوطن".

صبر شعب العراق على نظام المحاصصة، الذي وضعته أمريكا بعد احتلالها العراق، وبات في البلد ثلاث رئاسات، الأولى رئاسة الجمهورية للأكراد وهي شرفية، الثانية رئاسة البرلمان للسنة، ثم رئاسة الوزراء للشيعة، وهذه التي تتولى الحكم فعليا، وجعلت أمريكا حكم العراق شيعيا، حتى يكون مرتهنا لإيران والولي الفقيه.

من هنا سيطرت إيران على القرار العراقي وثرواته وخيراته، عن طريق رؤساء الحكومات الشيعة الموالين لها، وكان الولي الفقيه يتعمد اختيار شخصيات غير بعيدة عن الفساد ليستمر في نهب خيرات البلد العربي وتحويلها إلى بلاد فارس، كما يختار رؤساء حكومة ضعيفي الشخصية، حتى لا يفكرون يوما في الاستقلال بقرار العراق بعيدا عن إيران.

منظومة الفساد في البلد، والخنوع للولي الفقيه جعلت "الشعب العراقي غريب في بلده"، لا يجد من يسمعه، يعاني من البطالة ويعيش بلا خدمات تقريبا، فكل شيء منهار، بينما مليارات النفط وثروات البلد تحول إلى بلاد فارس، وحسابات المسؤولين العراقيين عن طريق مليشيات إيران في لبنان وسورية واليمن.

لذا كان الانفجار الشعبي متوقعا في أي لحظة بل أن الكثيرين اعتبروا أنه تأخر سنوات، في ظل وعود حكومية دائمة بتطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات وصرف منح ورواتب إضافية للشعب تعينهم على المعيشة.

تحمل الشعب على أمل أن تفي حكومة "عادل عبدالمهدي" بوعودها، وهو الذي تولى الحكم منذ عام، لكن تفجرت الاحتجاجات لفشله في الإيفاء بمطالب الشعب، وزاد الطين بلة أن "الحشد الشعبي" المسلح الموالي لإيران، وهو نسخة حزب الله اللبناني والحوثي اليمني، تغلغل في جميع مفاصل العراق، ويتحكم فيها مثلما تملي عليه إيران، لدرجة أن رئيس مليشيا "الحشد الشعبي"، هدد المتظاهرين السلميين بالقتل عبر التليفزيون الحكومي على مرأى ومسمع الحكومة والبرلمان العراقيين دون أَنْ يحاسبه أحد!

اتسعت رقعة الاحتجاجات والهتافات ضد إيران، مع إعلان إيران إرسال عشرات الآلاف من مواطنيها إلى العراق لزيارة المراقد الشيعية من دون فيزا ولا جوازات سفر، وكأن البلد بلدهم، فشعر العراقيون أنهم غرباء في بلدهم المستباح لإيران حكومة وشعبا، من هنا تحرك أولا شيعة العراق ضد إيران ثم جاءهم الدعم من السنة، وبدأت الهتافات ضد الارتهان لإيران مع ظروف المعيشة القاسية والفساد الحكومي.. فهل يستفيد حكام العراق مما حصل في الجزائر والسودان ويعرفون أن إرادة الشعوب تنتصر دائما مهما طال الزمن؟!
الجريدة الرسمية