رئيس التحرير
عصام كامل

السكوت لم يعد من ذهب


الحكمة تقتضي أحيانًا السكوت، لكن السكوت في أحيان أخرى يكون جريمة، خاصة إذا كان المسكوت عنه يهدد استقرار البلاد والعباد. والجريمة المكتملة الأركان في السكوت على كلام "محمد علي" الهارب إلى إسبانيا، والذي يسعى وفقًا لرؤية البعض إلى تحويل مشكلة شخصية إلى قضية رأي عام، وأنه لو حصل على ما يدعيه من مستحقات لالتزم الصمت. 


وهذه رؤية قاصرة، لأن "محمد علي" وكل من تعامل مع المؤسسة العسكرية يعلمون أن مستحقاتهم مضمونة، وهذا ما أكده والده، وتأكد لنا من كثيرين تعاملوا مع القوات المسلحة، وآخرون يسعون للتعامل معه، ولو حصل هذا الشخص على أضعاف مستحقاته لفعل ما فعل.

"محمد علي" لم يتحرك منفردًا، بل تحرك بتعليمات ربما كانت من الداخل، وربما من الخارج، أما ظهوره بهذا الشكل.. وطريقة أدائه واختياره للموضوعات التي يتحدث فيها.. وإطلالته اليومية.. فتأكيد على تآمر قد يراه البعض مغالاة، ونراه واقعًا، حتى انفلات لسانه وتطاوله واستخدامه لمصطلحات نابية وهجومه على شخص الرئيس وأسرته.. كل هذا متفق عليه.

تعالوا نعود بالذاكرة إلى الوراء قليلًا، فمنذ ثماني سنوات شممت نفس الرائحة تفوح من أفواه شباب مستواهم التعليمي والثقافي نفس مستوى "محمد علي"، اختاروا ميدان التحرير ولم يكن اختيارهم عشوائيًا، وتطاولوا على الجيش والشرطة والرئيس الأسبق "مبارك" في محاولة منهم لكسر هيبة الدولة، هؤلاء الشباب لم يتواروا عن نشر صورهم مع رموز من الخارج كانت تتربص بمصر، ورغم استجابة "مبارك" لهم ارتفع سقف مطالبهم حتى تنحى، وبتنحيه لم يتركوا الميدان، وظلوا حتى عمت الفوضى البلاد.

اختيار "محمد على" لإسبانيا لم يكن عشوائيًا، وتلقف القنوات المدعومة من قطر لتسجيلاته يذكرنا بالذي مضى، الجزيرة والجزيرة مباشر والشرق ومكملين ووطن والحوار والقناة ٩ والعربي، سبع قنوات لم يعد يشغلها إلا تسجيلات "محمد على"، تعرضها وتحللها وتضخمها، ثم تعيد عرضها بعد انتهاء برامجها ليستمر التطاول على الجيش والرئيس وأسرته على مدار اليوم.

أما نحن فقد ضربنا بكل ذلك عرض الحائط، وأدرنا ظهورنا -إلا قليلًا- لكل ما تبثه هذه القنوات وسكتنا على التطاول، ولا أعرف سببًا لهذه الثقة العمياء في عدم تأثير ما يبث على المواطن المصري، أو لهذا التناسي لمشهد لم يمض عليه سوى ثماني سنوات، مشهد لن نتحمل تكراره، ولن نقوى على التعاطي مع تبعاته.

الإفراط في الثقة جعلنا نتجاهل الدور الخطير للإعلام، ففي الوقت الذي يتمدد فيه دور الإعلام المدعوم من قطر.. تقلصت مساحة الإعلام المصري، فهناك تفتح قنوات، وهنا نغلقها، وهناك الاستعانة بالكفاءات، وهنا نستبعدها، هناك لا مجال للمجاملات والمحسوبيات، وهنا مجالها، هناك لم ينفقوا ستة مليارات على إعلام لم يثمر إلا برامج أغلبها مشوه ودون المستوى، وهنا أنفقنا.

"محمد على" لم يتحرك إلا بتعليمات من الذين وظفوه، والسكوت عليه لا منطق فيه، والحل ليس في الهجوم عليه، فلن يضيره اتهامه بتعاطي المخدرات، ولا بالتطاول على المؤسسة العسكرية والرئيس، فهو متعاط ومتطاول، "محمد على" ومن يحركونه بحاجة إلى تشكيل فريق يدير أزمة حقيقية، فريق يتخلى عن الثقة الزائدة ويدرك أن مصر ليست بمنأى عن الخطر، فالسكوت ليس دائمًا من ذهب.
besherhassan7@gmail.com
الجريدة الرسمية