رئيس التحرير
عصام كامل

"فيس بوك".. وخراب البيوت المصرية


خلال سنوات؛ أصبح موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك أداة لتدمير الذات وشراكة الحياة، ووسيلة للانتقام والإقصاء الاجتماعي وبناء علاقات بديلة وهمية لا ترق بالمرة لصفة الصداقة أو تقترب منها.


فيما تظهر دراسة أمريكية أن وجود الخلافات الأسرية ظاهرة إيجابية داعمة لبقاء العلاقات العائلية؛ طالما باشرها الطرفان سويا داخل أربعة جدران تجمعهما، نجد دراسات للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية وغيره؛ ترصد الكارثة في مجتمعنا؛ بعيدا عن ظاهرة الاستخدام السياسي للإنترنت في المواجهة مع الأنظمة السياسية والاستبدادية؛ التي تزايدت خلال سنوات ما بعد أحداث ١١ سبتمبر؛ وصولا إلى أحداث ٢٠١١ في مصر وعدد من بلدان المنطقة.

ودون انتباه للأزمة أصبح الصراع الأسري والمجتمعي أشد خطورة من الخلاف السياسي وتصنيفاته متعددة الأسباب، حتى أصبحنا أمام نماذج جديدة لنساء يصدقن أنفسهن مع صياغة وتصدير أي كلام لأطراف علاقاتهن المستحدثة إلكترونيا؛ مقابل فحولة مكذوبة لرجال يتباهون بغزارة علاقاتهم النسائية الكمبيوترية كبديل عن مباشرة علاقات مستقرة واقعية مع زوجاتهم.

كارثة الاستخدام الاجتماعى لمواقع التناطح الأسري حولت صاحبات بيوت خربة إلى خبيرات أسريات واستشاريات لمشروعات زواج؛ برعاية برامج فضائيات تافهة؛ باتت تنظر لصاحبات صفحات محدودة الفكر ضيقة الهدف والأفق على أنهن ناشطات يستحق مجهودهن الفوضوي الإشادة، دون النظر بتعمق لمقصدهن، في مقابل رجال يقودون صفحات مماثلة تدعو إلى مقاطعات ومناظرات وتشددات ضد وجود النساء في حياتنا تماما، وكأن كل جنس من الطرفين تواجد مستنسخا من ذاته أو أن أحدهما يستطيع إكمال الحياة دون الآخر.

على خط المواجهة؛ دخلت مؤسسات ومجالس؛ ووجهات نظر لأعضاء مجالس تشريعية ومحامين وغيرهم، تبني على وضع قائم مرفوض تصوراتها للمستقبل الأسري والمجتمعي؛ وتطور رؤيتها بمفهوم ونظرية "لا عودة للوراء"؛ و"لا تنازل عن مكتسبات"، رغم أن الجميع خاسر حقيقة في هذا الصراع؛ وليس أقل من أطفالنا أكبر الخاسرين من شطحاتنا وتوجهاتنا الأحادية.

لاحظ أن طفرة حدثت في معدلات الطلاق والشقاق بعد إقرار تعديل إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية عام ٢٠٠٠ وإقرار حق المخالعة بخطوات أقصر وأبسط ولأسباب أشد تفاهة، بالتوازى مع رفع سن الحضانة وتخيير الصغير بين أبويه؛ كنتاج ضغوطات جماعات المصالح التي فتحت أوسع أبواب الخراب الأسري، ثم تكرار الطفرة ذاتها أيضا بدءا من العام ٢٠١١ وحتى الآن، وهى نفس الفترة التي توحشت خلالها حالات الاستخدام المفرط لموقع فيس بوك.

تحليل المحتوى والمضمون لأعلى صفحات حملات التناحر المجتمعي؛ ومراقبة متزوجات ومتزوجين في حياتهم المستقرة لها؛ يمكن أن تلحظ معه مستوى التدني الفكري المعبر عن إصرار على الإبقاء على الأزمة وإحماء أطرافها، دون قناعة من أحد بأن كل من لا يملك تصورا لحلول هو جزء أصيل من المشكلة.

ورغم أن "فيس بوك" بات أدنى مواقع التواصل الاجتماعي فعليا؛ وأصبح كالشوارع المفتوحة التي يلاقى فيها الناس بعضهم دون مقصد أو هدف أو صون للخصوصية؛ كما أن فضيحة تسريب معلومات ملايين المستخدمين العرب لم تشفع لإقناعهم بالعدول عن سبيله، إلا أننا لا نزال أمام قوانين مستحدثة لمواجهة الجريمة الإلكترونية لا تعتد بالاستخدام المعادى للأسرة والمجتمع عبر هذه المواقع.

يمكن أن تصحح فكرة ناشط سياسي يختلف معك في التوجه والهدف والرؤية والمسار، لكنك ستبذل مجهودا أكبر في إقناع رجل أو امرأة للتنازل عن صداقات وهمية وعلاقات بديلة عن واقعهما، وهى منطقة خطرة لابد وأن يبحث فيها علماء الاجتماع وخبراء العلاقات الأسرية الأكاديميين الحقيقيين؛ بعيدا عن هوى منتحلات صفات مهنية والتدليس بها على الوعى العام؛ للحفاظ على ما تبقى من أمل لأجل إنقاذ عائلات وأسر مهلهلة العلاقات رغم استمرار وجود وثائق زواج بين أطرافها.
الجريدة الرسمية