رئيس التحرير
عصام كامل

أحلام العمة


بعد وفاة شقيقها؛ لحقا به والداها؛ ولم يبق لها من ميراث علاقاتها العائلية الأصلية سوى أبناء شقيقها الأطفال الأربعة، إلا أن أمهم كان لها رأي آخر؛ متنكرة لدور العمة اليتيمة في تربية الصغار معها بداية حياتها الزوجية.


أمام محكمة أسرة قصر النيل؛ وقفت العمة مطالبة بحقها في رؤية أبناء شقيقها المتوفى الأربعة؛ وصلة رحمهم؛ ورد القضاء عليها بحكم القانون بأن من لهما حق رؤيتهم ماتا؛ وهما الجدان؛ وأن المادة ٢٠ من القانون ٢٥ لسنة ١٩٢٩ المعدل بالقانون ١٠٠ لسنة ١٩٨٥، تحصر حق رؤية الصغار في الأبوين؛ وبعد وفاتهما للجدين فقط، لكن الأغرب من قسوة الحكم أن يصدر في سطوره أولا الآية الكريمة "وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله"..!!

القانون الذي حرم هذا الحق على الأطفال والعمة؛ صدر معه أيضا بإحدى محاكم الأسرة في شمال الدلتا حكم مشابه؛ يرفض طلب العم في رؤية ابن شقيقه المتوفى؛ عقب تعذر رؤيته اتفاقا مع الأم، لكن الأغرب في القانون أن أباح لنفس المحكمة إصدار حكمها على نفس العم بدفع نفقة لابن شقيقه؛ المحروم من رؤيته ورعايته؛ معتبرا العم في حالة مناقشة النفقة وحدها "ولى الدم".

بالتأكيد؛ فإن القاضى دوره تطبيق القانون؛ وهنا نسترجع حكما تاريخيا يبرئ عمال السكك الحديدية في قضية إضرابهم الشهير عام ١٩٨٦، والذي اعتمد فيه القاضى على نفاذ مواثيق دولية تقر هذا الحق للعمال؛ وقد نسخت تلك المواثيق التشريعات الداخلية؛ طبقا للمادة ١٥١ من دستور ١٩٧١ وقتئذ.

نفس الحالة؛ تنطبق على نفاذ اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل طبقا للمادة ٩٣ من الدستور المصري الحالي، حيث تقر الاتفاقية بتعهد الدول الأطراف بحماية حقوق الطفل بما في ذلك اسمه وجنسيته وصلاته العائلية؛ بحسب المادة الثامنة منها؛ والتي توسعت في تعريف الصلات العائلية للطفل ولم تحصرها في الأبوين والجدين، ولا تلتفت إليها محاكم الأسرة عندنا، وربما لأنه لا يلتفت محامون لحاجة الدفع بها في دعاوى رعاية أطفال الشقاق.

أحلام العمة اليتيمة في رؤية أطفال شقيقها المتوفى؛ أعيش وأتذكر معها دور "العمة أحلام"؛ شقيقة زوج أختى الكبرى الراحلة عن الدنيا قبل أكثر من ٢٤ سنة، والتي قامت على رعاية ثلاث زهرات أكبرهن وقتئذ كان عمرها ٤ سنوات وأصغرهن لم تتخط ساعة مولدها، لتتباهى بثمرة حياتها وتقدم لمجتمعها فتيات لهن من العلم والخلق وفيهن من الرحمة؛ ما يعبر عن سمو تربية "العمة أحلام" الأم الحقيقية التي منحتها السماء لهن.

ومن رحمة القدر؛ أن يمنح الله بنات شقيقتى الراحلة جدة؛ كتب الله على يديها علو الشأن لكل يتيم ارتضت به قدرا من أولادها وأحفادها، وهى من أودعت ابنها الشاب التراب قبل ربع قرن وأقسمت أمام قبره أن يهنأ بشهادته مطمئنا على صغيريه في كنفها.

أحلام العمة اليتيمة لا تعترف بها تشريعاتنا، بينما لدى العائلات المحترمة يتكرر نموذج "العمة أحلام" التي عاشت شبابها يتيمة تربي أيتاما؛ تحلم لنا جميعا بمشهد سعادتنا بمستقبل زهرات العائلة، حتى أودعنا معها الجدة الناصحة الأمينة التراب قبل أيام؛ ولا أقل من وصف مشهد بكاء من علمتهم كيف تكون الرجولة في مديح عهدها وتأكيد عهدنا بها.

ستجدون إلى جانب الملايين من أطفال الشقاق؛ والأيتام أيضا، الملايين من الآباء والأمهات والأجداد والجدات والعمات والخالات وذوى القربى؛ محرومين من دور طبيعي لكل منهم في حياة ذويه المستضعفين، وليس أقل من أن تفكر دولة بمؤسساتها في الاستقواء بهم طالما تحلم بالمستقبل.

ولا بديل عن طريق جديد يواجه الجميع فيه حقائق لا تغيب عنا، أولها ألا تستبعد تشريعات أزمنة أنظمة الحكم البائدة هؤلاء من شراكة حقيقية في حلم لهذا الوطن، ولا نعتقد أن حلمنا له يمكن أن يتجسد في غير أطفالنا أولا.

أولى بالبرلمان استبعاد تلك التشريعات البالية؛ بدلا من استبعاد كل هذه الملايين والإصرار على أوجاعها؛ بالمخالفة لحلم وطن يتألم لهم ويتألمون داخله.
الجريدة الرسمية