رئيس التحرير
عصام كامل

رزق أن تكون نبيلا


أن تكون بشريا فهذا أمر لا دخل لك فيه. ربما مَنْ صوَّركَ إن وضعك في هيئة ملاك قد تضل أو عفريت قد يغضب عليه أو أن تكون من الملائكة المقربين أو الجن المؤمنين. وهنا يرفع عنك العتب كإنسان لأنك لم تجبل على الطاعة أو على التمرد إنما جبلت على العقل والاختيار. ولكنه اختيار ليس لتكون ملاكا أو إبليسا إنما لتكون إنسانا.


معية البشرية عبارة تطوي سر وفلسفة الرزق المجهولة غير المفهومة، فكلنا بشر ونختلف بالضرورة في فهمنا وتعاطينا مع الآخرين في نفس المعية! فهذا كريم محسن وآخر بخيل شحيح. وهذا نبيل سوي، في حين تخبرنا معاجم اللغة أن مضاد الإنسان النبيل: الحقير، السافل، المنحط، النذل، الوضيع، الخسيس، الدنيء.

خلاصة صفات المعية البشرية كما أفهمها هي أن تكون إنسانا نبيلا، وهي تلخيص للنص القرآني في جملته "بشرا سويا"، فلك أن تتخيل الهيئة التي أراد الله أن تدخل بها كلمته في عالم المعية البشرية، هل تجلي فيها على هيئة ملاك أو جن أو..؟! بل قال:
"فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا"، والمعنى عظيم وأعظم في تأويلاته النفسية.

وهي تكريس لمعنى فلسفي أخلاقي دنيوي في كيفية أن تكون ملاذا آمنا واطمئنانا وحصن راحة كي تحتوي من حولك، وذلك لا بالمال ولا بالجمال ولا بالقوة ولا بالجبروت ولا بالسحر إنما أن تكون إنسان نبيلا سويا تمتلك مفاتيح قلوب وأرواح وعقول من حولك. وهذا هو الرزق في أتم صوره. ترزق بأن تكون نبيلا، والنبل صفة إنسانية.

والآن كيف تكون نبيلا؟!

هذا أمر لا دخل لنا به وسط هذه الكتلة من الوسخ والعفن المعتم السحيق المحكوم بقبضة من الاستبداد لا تلين ولا تغفل، بل لها القدرة على التجدد وتغيير الأقنعة. فهل من قوة تستطيع أن تحرك هذه الكمية؟

أن تكون إنسانا نبيلا في كل أحوالك ومقاماتك، لا تغتر ولا تتبدل رغم الأهواء والعواصف، وكثرة الأصنام في حياتك. فهذا يعني أنك وسط الأبدان والأرواح العمياء تعيش في رزق حلال، وإن لم يكن بكثرة.

النبل رزق من الله غرسه في حسن التربية والتعليم، مكتسب لمن يريد أن يتعلم، ومن يريد أن يعيه في حرف في سطر ضمن مخطوطة حكائية مجهولة هنا أو هناك في بوح الجميلات من الأمهات المصطفيات وفي نظرة عين الحكماء من الآباء النبلاء.

وفي النهاية، لن يبقى منك غير بوح حكايات الناس عنك، وعن نبل وكرم إنسانيتك، فتصرف بقدر ما خصك به الله من رزق. ولا تكن بخيلا شحيحا. وإن وهبته فتلفح بفضيلة الصمت. وغرد بلا ضجيج، وارحل في سلام. لن يبقى إلا الصادقون النبلاء، مهما كانت حياتهم ونهاياتهم على غير المراد.

السعي رزق، والرزق سره في بركته، والبركة هي أن تخلص العزف في المشوار كي يستقيم لنا صراط المحسنين النبلاء، فهم المتصالحون مع أنفسهم والعالم كما عدسة الكاميرا متصالحة مع كل المناظر!
فلا تستهينوا بمكر (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ)..

الجريدة الرسمية