رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

أهواكِ يا كعبة الأنوار "1"


"يا إبراهيمُ.. عليكَ الأذانَ، وعلينا البلاغُ".. تدورُ الأيامُ وتتعاقبُ السنونَ، وتتغيرُ الأزمانُ، ويبقى الوعدُ الإلهىُّ للخليل "إبراهيم"، عليه السلامُ، قائمًا ومُستمرًا، حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها.


فها هم حُجاجُ بيت الله الحرام، يأتون من كلِّ فجٍّ عميقٍ، ليشهدوا منافعَ لهم، وليذكروا اسمَ اللهِ في أيامٍ معدوداتٍ، وليرسموا بطوافهم حول الكعبة المشرفة، مشهدًا جماليًا ساحرًا يأخذ بالألباب والأفئدة.

وفى تعظيم شأن الكعبة المُشرفة.. نظمَ الشعراءُ قصائدَهم، ونسجَ الأدباءُ كتاباتِهم المشحونة بالخيال الروحى والإيمانى العميق والرغبة الصادقة في تكرار الزيارة مراتٍ ومراتٍ.

الشوقُ لمكة المكرمة وبيتِ الله الحرام لا يعادله شوقٌ، ولا توازيه محبَّةٌ، فمن استنشق هواءَها، يظلُّ ريحُها مُعلقًا به، لا يمكنُ نسيانُ جمالها، وكلما حلَّ مساءٌ مُعلنًا انقضاءَ نهار يوم، ودخول ليله، وبزوغ فجر وشروق شمس، توجهتْ الأبصار، ولهثتْ الألسنُ داعية: "لبيَّك يا مكة الخير". هي دارُ التُّقى، وَمحمدٌ مِنها أَتى، وَالمنبعُ القُدسيُّ مِنها يطلعُ، وكتابُ ربِّي أَشرقت آياتهُ، في مكةِ الأَمجادِ نورٌ يلمع".

عندما ينسابُ صوت الشيخ "كامل يوسف البهتيمى"، عبرَ أثير إذاعة "القرآن الكريم"، مُنشدًا في تبتُلٍ وخشوعٍ، هذه الأبياتِ المنسوبة إلى الشيخ "عبد الرحمن البرعى":
أهواك يـا كَعْبَـةَ الأنْوارِ أهواكِ وأقطعُ العُمْرَ مُشتاقًا لِلُقْيـاكِ
يا ربةَ الحَرَمَ العالى الأَمِينِ لِمَنْ وافاكِ مِنْ أين هذا النُّورُ لَوْلاكِ

لقد حملتُ ببابِ المصطفَى أمَلي وقلتُ للنفسِ بالمأمولِ بُشراكِ
محمـدٌ خـيرُ خلقِ الله كلِّهِـمُ وفاتحُ الخيرِ ماحي كلِّ إشراكِ
يا سيِّدَ الرُّسْلِ يا مَوْلى الأنامِ ويا خيرَ الخلائقِ مِن إنسٍ وأملاكِ

فإنك تُحلقُ مع المبتهل ومع الكلمات في حالةٍ روحانيةٍ، تبتهلُ خلالها إلى العلىِّ القدير بأنْ يكتبَ لكَ أداءَ فريضة الحج، ومِن ثَمَّ زيارة بيته الحرام، والطواف حول الكعبة المشرفة.

وللإمام "العز بن عبد السلام" مع مدح الكعبة المشرفة، قصةٌ تتوارثُها الأجيالُ، جيلًا بعدَ جيل، وتُخلدُها الكتبُ والمراجعُ الدينية المُعتبرة. وفى تفاصيل القصة التي وقعتْ أحداثها في عام 675 من الهجرة، ولَّى "العز بن عبد السلام، وجهَهُ شطرَ مكةَ المُكرمة، مؤديًا الركن الخامس من أركان الإسلام، فلما بلغَ البيتَ الحرامَ، اجتمعَ مع نُخبة من أهل العلم والدين والحُكم، وجلس تجاه الكعبة المشرفة، فارتجلَ خطبة طويلة، تحدثَ خلالَها عن مكةَ المُكرمة فقال:

"فهي التي هاجرَ منها الحبيبُ، ما هجرَها ولا قلاها، وما انقلبَ قلبُه إلى قبلةٍ سواها، حتى أنزلَ عليه جبريلَ في آياتٍ تلاها: "قد نرى تقلب وجهك في السماء، فلنولينك قبلة ترضاها".

ثم أنشدَ:
فَـوَلِّ بِـوْجْهِـكَ الْحَسَنِ الْمُفَــدَّى إِلَـيْـهَـا حَـيْـثُ وَجَّهْـتَ اتِّجَاهَــا
فَـإِنَّ أَبَاكَ إِبْرَاهِـيـمَ قِـدْمــــًا لِأَجْــلِ رِضَــاكَ عَنَّـا قَدْ بَنَاهَــا
وَإِسْـمَـاعِـيلَ طَافَ بِهَا، ولَبَّــى وَطَـهَّــرَهَـا لِمُشْتَـــاقٍ أَتَاهَـــا
هُوَ الْبَـلَـدُ الْأَمِيـنُ وأَنْـتَ حِــلٌّ فَـطَـأْهَـا يَـا أَمِـينُ فَأَنْتَ طَـــهَ

حتى وصلَ إلى قوله:
فَـيَـا حُجَّـاجَ بَيْتِ اللهِ طُوفُـــوا بِكَعْبَتِـهَـا ولَبُّــوا فِــي ذُرَاهَـــا
فَطُـوبَـى ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَــى لِـنَـفْسٍ فِـي مِنـىً بَلَغَـتْ مُنَاهَـــا

ثم استطرد حتى اختتم:
عَلَى أَبْوَابِ جُـودِكَ يَــا إِلَـهِي رِجَالُ الْوَصْلِ قَـدْ أَلْقَــتْ عَصَاهَــا
تَمُـدُّ أَكُفَّــهَـا بِالذِّكْرِ فَقْــــرًا إِلَيْكَ وأَنْتَ تَعْلَـمُ مَـا دَهَـاهَـــا
بِهَــا دَاءٌ ولَيْـسَ لَــــهُ دَوَاءٌ سِـوَى مَــا فِـي وِصَالِكَ مِنْ شِفَاهَـا
إِلَيْكَ شَفِيعِنَا الْهَادِي الْمُفَـــــدَّى وَمَــنْ قـَــدْ حَلَّ جَهْرًا فِي حِمَاهَـا
Advertisements
الجريدة الرسمية