رئيس التحرير
عصام كامل

أسامة شمس الدين يكتب: الحقوق الدستورية لرئيس الجمهورية (العفو عن العقوبة 4)

أسامة شمس الدين
أسامة شمس الدين

على مدار الأسابيع الماضية، وفي ثلاثة مقالات متتالية تناولنا نشأة حق العفو عن العقوبة، ومراحل تطوره وموقف الدساتير المصرية منه، وقد قسمناها إلى ثلاث حقب تاريخية، وفي هذا المقال سوف نتناول الحقبة الثالثة ما بعد ثورتي (25) يناير 2011 و(30) يونيو 2013.

في غضون عام 2010 مرت مصر بظروف سياسية سيئة للغاية، وهي انتخابات مجلس الشعب آنذاك التي ترتب عليها اجتياح الحزب الحاكم واستحواذه على النصيب الأكبر من مقاعد المجلس حتى بات لا يوجد ما يعرف بالمعارضة، وهو ما أدى إلى احتقان عام نتيجة ما اشتهرت به هذه الانتخابات إعلاميًّا بأنها مزورة. وبغض النظر عن صحة ذلك من عدمه، فلسنا في مجال تحقيق وتدقيق هذه القضية، إلا أن الثابت واقعيًّا أنها كانت أحد أسباب قيام ثورة (25) يناير 2011.

وفي هذا التوقيت بالتحديد مرت مصر بوجه خاص، والوطن العربي بوجه عام، بظروف سياسية واقتصادية صعبة للغاية أودت ببعض الدول العربية إلى الهلاك كسوريا وليبيا واليمن، وكادت أن تودي بمصر إلى مصير مجهول، لولا حماية الله لها وتلاحم قوى الشعب مع الجيش المصري، اللذين شكَّلا درع وحصن أمان للشعب المصري، بل إن الجيش قد طوق الشعب وحماه كما تحمي الأم أطفالها.

وفي أعقاب نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011، صدر الإعلان الدستوري الأول في الثالث عشر من فبراير، والذي نقل سلطة حكم الدولة المصرية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وفي التاسع عشر من مارس 2011، صدر الإعلان الدستوري الثاني المستفتى عليه من الشعب، والذي نص في المادة (56) منه على حق المجلس الأعلى للقوات المسلحة في العفو عن العقوبة بقولها: "يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد ولـه في سبيل ذلك مباشرة السلطات الآتية: العفو عن العقوبة أو تخفيفها، أما العفو الشامل فلا يكون إلا بقانون".

ثم صدر دستور عام 2012، نتيجة قيام ثورة عام (2011)، والذي سار على نهج الدساتير السابقة فقرر نفس الحق لرئيس الجمهورية في المادة (149).

ومما تجدر ملاحظته أن المادة (141) من الدستور تنص على أن "يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء؛ عدا ما يتصل منها بالدفاع والأمن القومى والسياسة الخارجية، والسلطات المنصوص عليها بالمواد (139)، (145)، (146)، (147)، (148)، (149) من الدستور".

وهو ما يتضح منه أن الأصل العام لرئيس الجمهورية هو ممارسة سلطاته بواسطة وزرائه، وأن السلطات المستثناة من ذلك هي ما يتصل بالدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية.. أما حق العفو عن العقوبة فإنه يعتبر من السلطات المحجوزة لرئيس الجمهورية وحده، ومن ثم فإنه يمارسه بنفسه.

ثم صدر في أعقاب ثورة (30) يوليو عام 2013 دستور مصر لعام 2014، والذي نص في المادة (155) على أنه "لرئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، العفو عن العقوبة، أو تخفيفها. ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يُقَرُّ بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب".

والجدير بالملاحظة هنا أن دستور عام 2014 قد أضاف قيدًا جديدًا لم تقره الدساتير السابقة، لا تلك الصادرة أثناء الملكية ولا الصادرة في أعقاب الثورات المصرية، وهو وجوب إقرار مجلس الوزراء للعفو الشامل، ولا شك أن هذا إنما يعكس الرغبة في التوسع في سلطات مجلس الوزراء.

وهو ما يتضح منه أن حق رئيس الجمهورية في إصدار قرار العفو بنوعيه يقوم على سلطة تقديرية مقيدة بموافقة مجلس الوزراء في حالة العفو عن العقوبة، وبموافقة البرلمان بأغلبية أعضائه في حالة العفو الشامل، وليس بأغلبية الحاضرين.

التصادم بين حق العفو والمبادئ الدستورية

ويرى بعض الفقهاء أن حق العفو عن العقوبة يتصادم مع مبدئي استقلال السلطة القضائية، والفصل بين السلطات.

1- فمن حيث التصادم بمبدأ الفصل بين السلطات نجد أن المادة الخامسة من دستور عام 2014 نصت على أن: "يقوم النظام السياسي على أساس التعددية السياسية الحزبية، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات، والتوازن بينهما، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته على الوجه المبين في الدستور".

ويرجع السبب في التمسك بمبدأ الفصل التام أو الجامد بين السلطات إلى خشية هؤلاء الفقهاء من تدخل السلطة التنفيذية في أعمال وسلطات السلطة القضائية بموجب قوانين العفو الشامل، إلا أن الشواهد التاريخية تؤكد أن استخدام هذا الحق دائمًا ما يكون في أضيق الحدود، بحيث لا يؤدي إلى التدخل بالمعنى الذي يخشاه هؤلاء الفقهاء.
2- ومن حيث التصادم باستقلال القضائية نجد أن المادة (94) من دستور عام (2014) تنص على أن "سيادة القانون أساس الحكم في الدولة، وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء، وحصانته، وحيدته، ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات".

أسامة شمس الدين يكتب: الحقوق الدستورية لرئيس الجمهورية "العفو" (3)

والحقيقة أن هذا التخوف من عدم استقلال القضاء ليس له محل، لاسيما أن قرار العفو الخاص لا يمكن إصداره إلا بعد صيرورة الحكم نهائيًّا، كما أن استخدام هذا الحق ينحصر في تحقيق مصلحة قومية عليا للبلاد، أو لأسباب سياسية واجتماعية معينة، فلا يسوغ إصدار قرار العفو لاعتبارات شخصية بغرض المجاملة الفردية للمحكوم عليهم أو لدولة ما.

وإذ كان حق العفو قد أسيء استخدامه في فترات تاريخية معينة، ولظروف معينة، فإن هذا لا يسبغ هذا الحق بتلك الصبغة التي قد تشينه، وتجعل منه حقًّا يُخشى منه.
الجريدة الرسمية