رئيس التحرير
عصام كامل

صراع "الكبار" في البحر المتوسط.. التحركات المشبوهة لـ"أردوغان" تشعل "حرب السواحل".. وأمريكا تدخل على الخط وروسيا والصين تسعيان للسيطرة الكاملة.. وواشنطن تدخل على خط صراع التنقيب عن الغاز


مع اتجاه الإدارة الأمريكية لتخفيض وجودها بالشرق الأوسط، والاتجاه لوضع قواتها بأوروبا لمواجهة الصين وروسيا، تحاول واشنطن الحفاظ على تأثيرها بالشرق الأوسط عبر سياسة جديدة تتمثل في توطيد علاقتها بالدول المطلة على البحر المتوسط، في سبيل تعزيز استثماراتها به، وضمان السيطرة على البوابة الرئيسية للمنطقة وأوروبا في نفس الوقت، لتدخل على خط الصراع على التنقيب بالمتوسط بعد إعلان تركيا التنقيب عن الغاز قبالة السواحل القبرصية.


وبعد إعلان أنقرة البدء في عمليات التنقيب حتى شهر سبتمبر المقبل، حذرت الدول الأوروبية ومصر من أنشطة التنقيب قبالة السواحل التركية، لتدخل أمريكا على الخط وتنتقد تلك الأنشطة، واصفة إياها بأنها خطوة استفزازية وتزيد من التوترات في المنطقة، ودعت السلطات التركية لوقف تلك العمليات بشكل فوري والالتزام بضبط النفس.

معهد جلوبال سيرش الأمريكي كشف أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يسعى لتعزيز شراكاته في مجال الأمن والطاقة مع اليونان وإسرائيل وقبرص من خلال قانون يعرف بـ "شراكة الطاقة والأمن في شرق المتوسط"، موضحا أنه سيساهم في احتواء التعددية القطبية بالبحر المتوسط، للتصدي لمصالح تركيا وروسيا والصين، وذكر أنه تمت المصادقة على القانون الذي اقترحه اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ من أجل إيجاد منفذ لأمريكا للتواجد في المتوسط وإقامة شراكات في مجال الطاقة والتعدين مع الدول المطلة عليه.

ويرتكز القانون على عدة نقاط أهمها الموافقة على إنشاء مركز للطاقة بين الولايات المتحدة ودول شرق المتوسط لتسهيل التعاون في مجال الطاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل واليونان وقبرص، وذلك في مقابل تقديم مساعدات عسكرية لليونان بقيمة 5 ملايين دولار ومنح 2 مليون دولار لقبرص من أجل تطوير التدريبات العسكرية بها، ومنع تسليم تركيا طائرات "F-35"، ومد خط أنابيب شرق البحر المتوسط يجمع بين قبرص واليونان وإسرائيل، وهو ما يشير إلى تكوين حلف شرق متوسطي ضد مصالح روسيا وتركيا والصين، ويعزز تطلع اليونان لأن تصبح رائدة إقليمية في شبه جزيرة البلقان الواقعة شرق البحر الأبيض المتوسط بسبب المصالح المشتركة بينهم في مجال الطاقة والدور الذي لعبته أثينا في جمهورية مقدونيا، ويحقق رغبة أمريكا في إثارة قلق أنقرة عبر إعادة إرسال شحنات السلاح الأمريكية للعاصمة القبرصية نيقوسيا وتكثيف التدريبات العسكرية المشتركة بين واشنطن وقبرص، من أجل عقاب أنقرة على إصرارها على شراء النظام الصاروخي الروسي "إس -400" وصراعها مع واشنطن بشأن الأكراد في سوريا.

وذكر مسئولون مطلعون على القانون، أن أمريكا تسعى لاستغلال صراع الحضارات بين قبرص واليونان وتركيا، من أجل إدارة شئون البحر المتوسط بشكل سري، عبر التركيز على حماية اليهودية المسيحية من الإسلام، مما قد يزيد من قبولها بين العديد من الأحزاب اليمينية، موضحا أن الإدارة الأمريكية تحاول إحباط تغلغل تركيا في اليونان وإيطاليا، وإضعاف الشراكة الإستراتيجية بين روسيا وإسرائيل، وكذلك وضع طريق موسكو التجاري بين شبه جزيرة القرم وسوريا وسيناء وإريتريا تحت التهديد من أجل استخدامه كورقة ضغط في حالة حدوث أزمة، ومتابعة أنشطة الصين المتعلقة بمبادرة "البحار الثلاثة" التي تضم 12 دولة أوروبية بعضها مطل على المتوسط، وتهتم بإقامة مشاريع متعلقة بالطاقة والنقل، ومراقبة أعمال بكين في ميناء حيفا الإسرائيلي.

الأمر لم يتوقف على ذلك فقط، بل بدأت أمريكا استعراض قوتها، عبر نشرها حاملات الطائرات الأمريكية جون سي ستينس وأبراهام لنكولن، وأخرى من طراز نيميتز بالبحر المتوسط، وتحمل 130 طائرة، و9000 بحار وضابط بقوات المارينز و10 سفن، وكذلك مدمرتي صواريخ موجهة وغواصة هجومية وسفينة إمداد للدعم اللوجستي، في رسالة مفادها أنها لن تتراجع بأي حال عن منطقة المتوسط الجيوسياسية المهمة، وستواجه أية تهديدات من إيران أو روسيا أو حلفائهما، وأكد الأمر الأدميرال جيمس فوجو، قائد القوات البحرية الأمريكية في أوروبا وأفريقيا، بقوله "لن نردع من قبل أي خصم محتمل وسندعم مصالحنا كأمريكيين وأيضا مصالح حلفائنا"، كما قامت الشهر الماضي، بتدريبات عسكرية مشتركة بالبحر المتوسط ضمن 14 دولة بشمال أفريقيا.

الخطة التي بدأت أمريكا في تنفيذها جاءت بعد توغل روسيا والصين في المتوسط، وبدء فرض هيمنتهما عليه، فتملك الشركات الصينية التي تسيطر عليها الحكومة الآن حصصا في أكثر من 10 موانئ أوروبية على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي تضم بلجيكا وإسبانيا واليونان ومنذ أسبوع انضمت إيطاليا رسميا لمبادرة الحزام والطريق، لتكون أول دولة أوروبية كبرى تبدأ شراكة فعلية مع بكين، وبالإضافة إلى إدارة الصين لميناء حيفا الإسرائيلي، فازت شركة صينية أخرى بعقد بناء ميناء بجنوب إسرائيل في مدينة أشدود الساحلية، هذا إلى جانب استثمارتها في قناة السويس، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا شرق البحر المتوسط، في حين تسيطر روسيا على ميناء طرطوس بسوريا وعلى وشك التوقيع على عقد إيجار طويل الأجل للاستحواذ عليه وكذلك إقامة شراكات قوية مع إيطاليا.

وقال ريك براتبرج، المسئول عن الشأن الأوروبي، في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن روسيا والصين تتنافسان على فرض نفوذهما على البحر المتوسط، موضحا أن الموقف العدائي بين ترامب وأوروبا جعل الأخيرة تقبل على موسكو وبكين وترحب بالتعاون معهما.


"نقلا عن العدد الورقي"..
الجريدة الرسمية