رئيس التحرير
عصام كامل

حقوق الفقراء يا سادة


لا خلاف، أن شهر رمضان المعظم قد هل علينا هذا العام في ظل ظروف اقتصادية صعبة للغاية، جعلت الأغلبية العظمي من الأسر المصرية عاجزة عن تدبير أقل القليل من احتياجاتهم خلال الشهر الكريم، نتيجة للارتفاع الرهيب في أسعار كل السلع والخدمات، التي زادت بشكل متوالي، بعد لجوء الدولة لتحرير سعر صرف العملة، وتبني برنامج إصلاح اقتصادي قاسي، لتصحيح أخطاء كارثية ترتبت في عهود سابقة.


وبصرف النظر عن خطأ أو صوب السياسات الاقتصادية الصعبة التي اتبعتها الحكومة، إلاّ أن الثابت والمؤكد، أن أغلب الأسر المصرية تمر خلال الشهر الكريم بأزمات مالية كبيرة، وهو بالطبع ما لا يرضى أحد، ويحتم على كل "القادرين" في هذا الشعب، ضرورة مد يد العون للأهل والأقارب والجيران والأصحاب، ليس من باب "المن" ولكن من منطلق المسئولية الاجتماعية التي أمرنا الله بها، والتي قد يؤدى إهمالها إلى عواقب اجتماعية وخيمة، قد تنتشر معها كثيرا من الجرائم والموبقات، تحت ضغط الحاجة.

فقد أكدت التجارب العملية الحياتية، أنه ما فرض الله من فريضة إلاّ وكان لها حكمة، أثبتت الأيام صحتها، وعندما فرض الله "فريضة الزكاة" كان أحد أهدافها القضاء على كثير من الأمراض الاجتماعية المشُينة في المجتمع.

وقد أثبتت تجربة الخليفة "عمر بن عبد العزيز" رضي الله عنه، نجاح الالتزام بأداء "فريضة الزكاة" في القضاء على "آفة الفقر" في أرجاء الدولة الإسلامية خلال عامين وخمسة أشهر فقط من ولايته، بل وتحقيق فائض أكل منه حتى الطير في الصحراء.

لدرجة أنه أرسل كتبا إلى ولاة دولته، من كثرة أموال الزكاة في بيت المال، قال فيها: "من كان عليه أمانة وعجز عن أدائها فلتؤد عنه من بيت مال المسلمين، ومن كان عليه دين وعجز عن سداده فسداد دينه من بيت مال المسلمين، ومن أراد من الشباب أن يتزوج وعجز عن الصداق فصداقة من بيت مال المسلمين، ومن أراد من المسلمين أن يحج وعجز عن النفقة فليعط النفقة من بيت مال المسلمين".

أي إن الأمور وصلت في تلك الفترة إلى "حد الكفاية للجميع" لمجرد التزام الجميع بتأدية فريضة" الزكاة" ولدرجة وصلت بـ"عمر بن عبدالعزيز" إلى إخراج منادين في كل أرجاء الدولة، ينادون: "أين الفقراء، أين اليتامى، أين الأرامل، أين المساكين؟" فلا يجدون.

الواقع يؤكد أنه يوجد بيننا "أفراد، وهيئات، ومؤسسات، واتحادات، ونقابات، وشركات" تستطيع تدبير احتياجات كل الفقراء في رمضان، سواء بإخراج "الزكاة" كما شرعها الإسلام، أو بتوفير بنود الرفاهية وحفلات الإفطار التي لا تنقطع طوال أيام رمضان، داخل كل الفنادق والنوادي الفخمة في مصر، والتي يصل إجمالي ما ينفق عليها خلال الشهر الكريم إلى عدة مليارات من الجنيهات، وتوجيهها في صورة مكافأة أو منح للعاملين بتلك المؤسسات بمناسبة الشهر الكريم، حتى نقى "الفقراء" منهم شر الحاجة، والتهافت المهين وراء "كرتونة" لا تسمن ولا تغنى من جوع، أو القبول بملابس بالية ومستعملة، كما تفعل الجمعيات الخيرية التي تقوم بمثل هذه الأعمال.

أعتقد أن المسئولية الدينية والاجتماعية تحتم علينا جميعا أن نبدأ دون تردد في تلك الأيام المباركة، بالمبادرة بإخراج ما أمرنا به الله من "زكاة" حماية للأهل والأقارب والأصحاب والجيران، وكفايتهم شر الحاجة، تلبية لقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: "مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ" وقوله صلى الله عليه وسلم: "الخير فيّ وفى أمّتى إلى يوم القيامة".
كل عام ونحن جميعا بألف خير، وكفانا الله وإياكم شر الحاجة.
الجريدة الرسمية