رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى أمين يكتب: عندما قرر عبد الحليم الانتحار

مصطفى أمين
مصطفى أمين

في حوار أجرته مجلة الكواكب مع الكاتب الصحفى مصطفى أمين في مارس عام 1978 بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ قال فيه:

«كان عبد الحليم صديقى، عرفته في أول الطريق وهو مبتدئ، وأعجبت به لأنه كان مكافحا وكان يريد أن يتعلم ويستفيد من تجارب الآخرين، وأذكر أنه جاءني ذات يوم حزين عصبى يائس وقد عقد النية أن يترك الغناء لما يلاقيه في الحقل الفنى من حقد الناس وكراهيتهم».

«لم أتركه يسترسل في إبداء الأسباب التي دفعته لقول ذلك وقلت له إن هذه الشتائم التي توجه لك هي المدافع التي تضرب وتنطلق ابتهاجا بمولد نجم جديد».

«شيء آخر هو أننى كنت دائم الشجار معه لأنه لم يعتنى بصحته ونصحه الأطباء بضرورة إعطاء جسمه قسط من الراحة والنوم، فكان يأتى إلى بيتى نسهر مع الأصدقاء عبد الوهاب وكامل الشناوى وعلى أمين وموسى صبرى وكمال الطويل ومجدى العمروسى وأنيس منصور وكمال الملاخ وسعيد سنبل وجليل البندارى وعدد كبير من الكتاب والصحفيين والأدباء، وكنت في تمام العاشرة مساء أطلب منه أن يترك مجلسنا وينزل إلى بيته لينام».

«كان أحيانا يوافق ويترك مجلسنا وهو كاره واكتشفت أنه لم يذهب إلى بيته بل يتوجه إلى كافيتيريا هيلتون للسهر حتى الرابعة صباحا، ولما كنت أسأله يقول: أخاف من السرير ففى كل مرة أشعر وأنا أضع جسمى على السرير، إنى لن أستطيع القيام مرة أخرى ولذلك أتفادى دخول السرير لآخر وقت».

«عبد الحليم كان ذكيا جدا وذكاؤه هو ذكاء الفلاح الذي لا يمكن الضحك عليه بسهولة وهذا لا يمنع أنه كانت تحدث خلافات بينه وبين أصدقائه، فمثلا خلافات مع كامل الطويل كانت بسبب المواعيد ورغم ذلك كانت تربطه معه شعور زمالة وصداقة طويلة».

«أجمل موقف أذكره مع عبد الحليم هو ذلك اليوم الذي جاءنى فيه وقرر أن الحياة ضاقت به وضاق هو بها أيضا، وأنه يتلقى نكرانا وجحودا وضربات من الذين ظن أنهم سيساعدونه، وأنه يزرع الخير ويحصده شرا ويزرع الحب فيحصد الكراهية وأنه بين نارين إما أن ينتحر وإما أن يعتذر عن العمل في هذا الوسط الفنى».

«قلت له: هذا حسنا فلو كنت إنسان فاشل لما وصلت إلى هذه المرحلة، وإما أن تختار أن تكون على القمة وتدفع ثمن تذكرة الصعود إلى القمة وهى تحمل الشتائم والحملات والهجوم والظلم، وإما أن تضج من أي حاجة تافهة في الفن فلا أحد ينظر إليك».

«اعتبر كل ما يقال لك تذاكر تدفعها وكلما ارتفعت إلى أعلى ارتفع ثمن التذاكر، وهذه الشتائم هي الوقود الذي يجعل الصاروخ ينطلق إلى القمر، فاقتنع عبد الحليم بكلامى وبعد أن كان يبكى خرج من عندى سعيدا».

وفى النهاية أرى أن صناعة تمثال للفنان هو إقامة مسرح كبير باسمه، ومصر الآن في حاجة إلى مسارح ولو انتهزنا حب الناس إلى هؤلاء الفنانين الراحلين العظام وعملنا اكتتابات وجمعنا حصيلتها لإنشاء مسارح، وبالنسبة لعبد الحليم وأم كلثوم وفريد الأطرش يمكن عمل اكتتاب في جميع البلاد العربية.
الجريدة الرسمية