رئيس التحرير
عصام كامل

أحمد بهجت يكتب: بلابل تقف على الشجرة

فيتو

في عام 1977 كتب الكاتب الصحفى أحمد بهجت مقالا في جريدة الأهرام في عموده صندوق الدنيا ينعى فيه الفنان الراحل عبد الحليم حافظ قال فيه:
يشيع في حزن المصريين على عبد الحليم حافظ إحساس غامض لا أعرف ماذا أسميه، ويتحدث كثير من النقاد والمعجبين عن شجرة الأغنية التي تعرف من الزهور حين هوت زهرة عبد الحليم حافظ.


ورغم إحساسى العميق بالحزن فلست من هذا الرأى.. فلم يكن عبد الحليم زهرة في شجرة، ولم تكن أم كلثوم زهرة في شجرة الأغنية المصرية.

كانوا جميعا بلابل يقفون على الشجرة، وحين يموت البلبل تحزن الشجرة حقا وربما ذبلت أغصانها حدادا عليه.. ولكن هذا لا ينفى أنها تظل شجرة قائمة تنتظر بلبلا جديدا يقف عليها ويغنى.

لا بأس أن نستجيب لنداء الحزن ولكن لتحذر أن نحس باليأس.. ليست مصر عقيما، ولن تكون عقيما، أصح من ذلك أن نقول إننا جيل بالغ الأنانية والفردية، جيل اعتاد أن يبرز فردا واحدا في كل مجال.

ويسدل ستائر الدخان والتجاهل على بقية المواهب إذا مات أحد الأفذاذ في مجال حيوي سيق نعى المجال كله إلى الناس..وأقنعوا الناس أن من مات كان اسطورة ولن تتكرر.

وسيادة الأساطير في أمة من الأمم دليل على تخلف الأمة.. سواء كانت الأسطورة تتعلق بشخص فنان أو بشخص عالم، وأعظم ما فى مصر هي قدرتها على إنجاب عبد الحليم وأم كلثوم.

وأعظم ما فى مصر قدرتها على الاستمرار في إنجاب هذه المواهب الفريدة، ولقد كان عبد الحليم حافظ موهبة أصيلة.. كان واثق الخطوة يمشى ملكا في عالم الغناء، ولهذا كان يقدم إلى الصحافة تلاميذ من مدرسته.. وحين سئل يوما ألا يحس بالقلق على عرشه.. أجاب:
إن نجاح مدرسة من مدارس الغناء يعنى وجود أستاذ وتلميذ ووجود الأستاذ وحده بغير تلاميذ يعنى أنه ليست هناك مدرسة وليست هناك سعادة كسعادة الأستاذ حين يتفوق عليه أحد تلاميذه.
دار هذا الحوار يوما في وجودى وأكبرت عبد الحليم إكبارا حقيقيا وأدركت أن فنه من لون أصيل لأنه يريد أن يمتاز في الزمان.. سواء بأغنياته أو أغنيات تلاميذه.

رحم الله عبد الحليم حافظ بقدر ما أسعد من قلوب أمته.. أما أنت أيها الجيل الأنانى ففتش قليلا عن المواهب الجديدة في كافة المجالات بدلا من هذا الحزن واليأس على الراحلين.. وليكن حزننا على عبد الحليم حزنا جميلا مثل فنه.
الجريدة الرسمية