عبد المنعم مدبولي: أمي علمتني القناعة

نشأنا في حى باب الشعرية الشعبى بدون وجود مورد مالى كاف للمعيشة، وكان أول شيء علمته لنا ست الكل هو الاعتماد على النفس في كل شيء، فكان كل منا مسئول عن ترتيب غرفته وخدمة نفسه بدأ من تنظيف الحذاء إلى كى الملابس، وحينما كانت تمرض كنت أقوم بتنظيف البيت.
أيضا علمتنى أمى القناعة، فقد كان الدخل قليلا إلا من معاش بسيط وبعض المصوغات الذهبية التي كانت تبيع منها سدادا لمصروفات المدارس، لذلك علمتنا ألا ننظر إلى غيرنا وأن نحمد الله على ما هو موجود وكانت كلمتها التي لا أنساها (ده الموجود) حتى زرعت القناعة في داخلنا.

كانت تعرف أن انفراج الحال لن يأتى إلا بالتعليم والحصول على مؤهل دراسى بالرغم من أنها كانت لا تقرأ ولا تكتب، وكانت تقاطعنى إذا وجدت في الشهادة كعكة حمراء.

ساندتني أمى نفسيا ومعنويا حتى أنهيت دراستى بكلية الفنون التطبيقية وكنت عضوا في فريق التمثيل بالمدرسة ثم بالجامعة ولم أقل لها ذلك، وفى الجامعة كنت أدرس ليلا بمعهد التمثيل وهى لا تدرى إلى أن سمعت صوتى في الإذاعة.

ظلت تدعو لى بالنجاح حتى جاء يوما قلت لها عاوز أتجوز، سألتنى هل اخترت؟ وكانت تعرف أسرة العروس فارتدت ملابسها وذهبت في نفس اليوم تخطب العروس لى وهى تقول ربنا يتم لك على خير.

كانت أقسى لحظة على نفسى حين وافتها المنية وأنا أوريها التراب بنفسى فقد أنزف دما ودموعا على ست الكل.