رئيس التحرير
عصام كامل

د.رضا السعيد يكتب: الإمام الطيب والجهود المباركة

د.رضا السعيد
د.رضا السعيد

تولى فضيلة الدكتور أحمد محمد الطيب - حفظه الله – مشيخة الأزهر الشريف في عام (2010) بناء على القرار رقم (62)، الذي أصدره الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك خلَفًا للإمام الراحل الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي - رحمه الله -، ومذ أن تولى فضيلته مشيخة الأزهر الشريف قد أخذ على عاتقه عبء النهوض بالأمة الإسلامية والعربية، وحرص على إحلال السلام والتعايش بين الأسرة البشرية بشكل عام، وذلك من خلال نشر صحيح الدين الإسلامي في ربوع العالم، والدعوة إلى الاجتماع على القواسم المشتركة بين الأديان، ومواجهة التطرف والإرهاب من خلال إستراتيجية جديدة وجادة.


كما أنه بذل الجهود العظيمة والمتتابعة من أجل الحفاظ على تراث هذه الأمة، ووضع المعايير الصحيحة لقراءته والاستفادة منه واستثماره، ومحاربة الأفكار الهدامة، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وتجديد الخطاب الديني، وأكد على ضرورة مراعاة الواقع في الأحكام الشرعية وخطورة استدعاء الأقوال القديمة التي قيلت في زمان مختلف وسياق مختلف ومحاولة إنزالها على الوقائع والأحداث المعاصرة.
وبمناسبة مرور تسعة أعوام على تولي فضيلته مشيخة الأزهر الشريف جدير بنا أن نذّكر عموم الناس بما قدمه فضيلة الإمام الأكبر خدمة للأزهر الشريف ومصر والعالم، ويمكن الحديث عن ذلك وفق ثلاثة محاور:

المحور الأول: جهوده في إصلاح الأزهر الشريف
حرص الإمام الطيب – حفظه الله – على إصلاح الأزهر ومؤسساته منذ أن تولى مشيخته، فنهض به نهضة قوية جعلته يستعيد دوره الإقليمي والدولي بشكل سريع وكبير، حتى أصبح الأزهر حاضرًا في كل الأحداث والأمور الداخلية والخارجية، بل يمكن القول أن الأزهر في عهده أصبح قوة مصر الدولية الناعمة المؤثرة في كثير من الأمور والأحداث الداخلية والخارجية.

وقد اعتمد الشيخ الطيب – حفظه الله – إستراتيجية جديدة ودقيقة في إصلاح الأزهر؛ حيث اعتمد على الشباب الأزهري والاستفادة من طاقته وحيويته وحماسته في النهوض بالأزهر وإصلاحه، مع عدم إغفاله أهمية الاستفادة من علماء الأزهر وشيوخه الكبار.

ولك أن تتساءل أخي القارئ؛ ما الذي قام به فضيلة الإمام الأكبر في عملية الإصلاح هذه؟

فنقول: قد تضمنت عملية الإصلاح التي قام بها فضيلته ما يلي:
أولًا: إصلاح وتطوير المناهج الأزهرية، وذلك من خلال تنقيحها وتهذيبها وتضمينها ما يساعد على نشر ثقافة التعايش والمواطنة بين جميع الشعوب والثقافات، وتنقيتها من الأقوال والآراء التي لا تتوافق ومقتضيات العصر الحاضر.

ثانيًا: إنشاء الهيئات الأزهرية المجتمعية، التي أسهمت بشكل كبير ومباشر في خدمة المجتمع المصري، وذلك مثل "بيت الزكاة والصدقات المصري" في عام (2014م)، و"ديوان المظالم" الذي يهدف إلى تحقيق العدل ورد الحقوق لأصحابها من العاملين بالأزهر، و"لجنة المصالحات العليا".

في عام (2014م)، التي تهدف إلى نبذ الفرقة والخلاف والحد من النزاعات والخصومات بين أبناء المجتمع الواحد، وقد ساهمت هذه اللجنة في مؤتمر المصالحة الوطنية بجمهورية أفريقيا الوسطى.

ثالثًا: إنشاء الهيئات الأزهرية المكافحة للتطرف والإرهاب، وذلك مثل "مرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف والإرهاب" في عام (2015م)، الذي يقوم برصد ظاهرة الإرهاب على مستوى العالم ووضع المنهجية الصحيحة لمعالجتها، و"مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية" الذي يقوم بالرد على الأسئلة الفكرية والفقهية والمجتمعية عبر الاتصال الهاتفي، وتأسيس "وحدة لم الشمل" لحل المنازعات والخصومات الأسرية والمجتمعية بين أبناء الوطن، و"مركز الحوار بالأزهر الشريف" في عام (2015م) لدراسة مراحل تطور الحوار مع أهل المذاهب والأديان المختلفة في الشرق والغرب على السواء، ومد جسور التواصل بين مختلف الشعوب والثقافات.

رابعًا: إنشاء الهيئات التي تساعد على نشر صحيح الدين الإسلامي وفق وسطية الأزهر، وذلك مثل "معهد الشعبة الإسلامية" الذي يختار صفوة شباب الأزهر من أجل تأهيلهم تأهيلًا علميًا دقيقًا لأن يكونوا دعاة الوسطية والسلام في ربوع العالم، وأحيا "أروقة الأزهر الشريف" التي تعتني بتدريس العلوم الإسلامية وفق الطريقة الأزهرية الصحيحة، فأحيا رواق القرآن والقراءات القرآنية، ورواق العلوم العربية والشرعية، ورواق المتون العلمية، ورواق الفكر والثقافة، ورواق التدريب، والرواق الاجتماعي، ورواق الترجمة، ورواق الإعلام، ولا يخفى ما يقوم به الرواق الأزهري في نشر صحيح الدين والحد من استقطاب جماعات العنف والتطرف للشباب.

خامسًا: إنشاء الهيئات التي تساهم في نشر الفكر الأزهري الوسطي بكل لغات العالم، وذلك مثل "مركز الأزهر للترجمة" في عام (2016م)، الذي يقوم بترجمة المؤلفات والدراسات الجادة، التي تُكتب في الخارج باللغات الأجنبية عن الإسلام إلى اللغة العربية، وكذلك الترجمة الفورية للندوات والمؤتمرات التي ينظمها الأزهر الشريف أو هيئاته، وترجمة الدراسات التخصصية والأبحاث العلمية، التي تعالج قضايا المجتمعات المسلمة غير العربية والقضايا الشائكة.

المحور الثاني: جهود فضيلته في دعم الدولة المصرية ومؤسساتها في مكافحة التطرف والإرهاب
حرص الإمام الطيب – حفظه الله – مذ أن تولى مشيخة الأزهر الشريف على دعم الدولة المصرية ومؤسساتها في مواجهتها التطرف والإرهاب، وقد تقدم أنه أنشأ "مرصد الأزهر العالمي لمكافحة التطرف والإرهاب" على مستوى العالم، وكذا قام بعقد المؤتمرات والندوات العالمية التي تسهم في القضاء على ظاهرة التطرف والإرهاب والحد منها، والتي شارك فيها نخبة كبيرة من المفكرين والمثقفين والسياسيين من مختلف أنحاء العالم، وفي مقدمتها: مؤتمر الأزهر العالمي لمواجهة التطرف والإرهاب في عام (2014م)، ومؤتمر "الحريَّة والمواطنة التنوُّع والتكامل" في عام (2017م)، الذي أكد فيه أن المواطنة من أهم مرتكزات الإسلام للتعايش السلمي والتفاعل الإيجابي بين الشعوب، ومؤتمر "الأزهر العالمي للسلام" في عام (2017م)، و"منتدى شباب صناع السلام" عام (2018م) بالتعاون مع مجلس حكماء المسلمين وأسقفية كانتربري البريطانية، وندوة "الإسلام والغرب تنوع وتكامل" في عام (2018م).

كما أنه أنشأ "بيت العائلة المصرية" في عام (2011م) بالتعاون مع قداسة البابا شنودة الثالث للحفاظ على النسيج الاجتماعي لأبناء مصر، بالتنسيق مع جميع الهيئات والوزارات المعنية في الدولة، ما يساعد في القضاء على الطائفية التي حرصت جماعات العنف والتطرف على إثارتها في المجتمع المصري.

ومن أهم المواقف التي دعم فيها الإمام الطيب – حفظه الله – الدولة المصرية ومؤسساتها، ذهابه إلى سيناء الحبيبة من أجل زيارة مسجد الروضة الذي تمت فيه عملية إرهابية غادرة أودت بحياة (310) من المصليين ساعة خطبة الجمعة، مؤكدًا أن من قام بهذه العملية الغادرة خوارج وبغاة يجب على ولاة الأمر تطبيق حكم الله تعالى فيهم.

ومن تلك المواقف أيضًا حضوره افتتاح كاتدرائية "ميلاد المسيح" بالعاصمة الإدارية الجديدة، في يناير (2019م)، وحرصه على بيان موقف الإسلام الصحيح من بناء الكنائس والتعايش مع غير المسلمين، وأن دولة الإسلام ضامنة شرعا لكنائس المسيحيين وهذا حكم شرعي، وأنه إذا كان الشرع يكلف المسلمين بحماية المساجد فإنه وبالقدر ذاته يكلف المسلمين بحماية الكنائس، والمسلمون يتقدمون في حماية الكنائس على إخوتهم المسيحيين.

المحور الثالث: جهوده في نشر ثقافة التعايش السلمي بين الشعوب
آمن الشيخ الطيب – حفظه الله – بضرورة نشر السلام والتسامح والتعايش بين مختلف الشعوب والثقافات، ومن ثم كرس جهوده الخارجية كلها من أجل هذه المهمة المقدسة، فقام برحلات دولية متعددة هدفها الدعوة إلى التعايش السلمي ونبذ الحروب والصراعات، كما عقد لقاءات متعددة مع قداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان؛ من أجل ترسيخ ثقافة الحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والمجتمعات، وقد أسفرت هذه اللقاءات عن "وثيقة الأخوة الإنسانية" التي تدعو إلى التعايش السلمي بين البشر جميعًا، والتي تم الإعلان عنها في مؤتمر الأخوة الإنسانية الذي عُقد في أبو ظبي في فبراير (2019م).

ولا ننسى كذلك حرصه الدائم في كل رحلاته الخارجية على نشر صحيح الدين الإسلامي وتبرئته من الإرهاب والتطرف، وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي كانت تستخدم بشكل خاطئ، وفي مقدمتها مفهوم "الأقليات"، فنجده دائمًا يقول: أقول لإخوتي المسيحيين في الشرق: أنتم جزء من هذه الأمة، وأنتم مواطنون، ولستم أقلية، وأرجوكم أن تتخلصوا من ثقافة مصطلح الأقلية الكريه، فأنتم مواطنون كاملو الحقوق والواجبات، واعلموا أن وحدتنا هي الصخرة الوحيدة التي تتحطم عليها المؤامرات التي لا تفرق بين مسيحي ومسلم.

كما أنه أسهم بشكل كبير وفعال في تأسيس "مجلس حكماء المسلمين"، في 21 رمضان من عام 1435هـ، الموافق 19 يوليو عام 2014م، بهدف تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وجمع ثلَّة من علماء الأمَّة الإسلاميَّة وخبرائها ووجهائها ممَّن يتَّسمون بالحكمة والعدالة والاستقلال والوسطيَّة، للمساهمة في تعزيز السِّلم في المجتمعات المسلمة، وكسر حدَّة الاضطرابات والحروب التي سادت مجتمعات كثيرة من الأمَّة الإسلاميَّة في الآونة الأخيرة، وتجنيبها عوامل الصراع والانقسام والتَّشرذم.

ويعتبر المجلس أوَّل كيان مؤسَّسيٍّ يهدف إلى توحيد الجهود في لمِّ شمل الأمَّة الإسلاميَّة، وإطفاء الحرائق التي تجتاح جسدها وتهدِّد القيم الإنسانيَّة ومبادئ الإسلام السَّمحة وتشيع شرور الطَّائفيَّة والعنف التي تعصف بالعالم الإسلاميِّ منذ عقود.

كما حرص الشيخ الطيب – حفظه الله – على إيفاد "قوافل السلام الدولية" إلى العديد من دول العالم المختلفة في قارات أمريكا وآسيا وأوروبا وأفريقيا؛ لتعزيز السلم في المجتمعات، ونشر ثقافة التسامح والتعايش المشترك، وبناء جسور الحوار والتعايش بين أبناء الحضارات والثقافات المختلفة، وكشف زيف الإرهاب الذي يرتكب جرائمه باسم الدين الإسلامي.

وفي نهاية هذا المقال نصلي ونسلم على سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وندعو الله تعالى أن يحفظ مصر وأزهرها الشريف.
Advertisements
الجريدة الرسمية