رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

فضيحة «الوزير الميت»


أؤكد أن فضيحة "التويتة المتعمدة" التي كتبها الشاب المصري "خالد وجيه" على صفحته الشخصية على موقع "تويتر منذ أيام، عن اختيار والده المتوفى منذ 11 عاما "محمد وجيه عبد العزيز" لتولي وزارة النقل، خلفا للوزير المستقل هشام عرفات، فضحت وبوضوح، المستوى المهني المتردي الذي وصل إليه الإعلام المصري.


فدون تجميل أو خداع، عكست "التويتة الفضيحة" التي تناقلها "بجهل" عدد كبير من الصحف الكبرى، والبرامج التليفزيونية الشهيرة، مدى المفهوم الخاطئ للعمل الصحفي، والمهنية المحدودة التي تربى عليها الأغلبية العظمى للأجيال الجديدة من الصحفيين، والتي لا وجود فيها للعمل الميداني، والبحث وراء الخبر والتحقق منه، والتي تعد أساسا للعمل الصحفي..

لدرجة أن كل المواقع والصحف والبرامج التي تناقلت الخبر، نشرته وإذاعته صورة طبق الأصل مما نشره الشاب المصري على تويتر، دون التحقق من أن المرحوم "محمد وجيه عبد العزيز" توفي منذ 11 عاما، وأنه لم يعمل يوما مهندسا، ولم يكن له علاقة بالعمل الهندسي من قريب أو بعيد، ولم يسافر يوما إلى فرنسا أو السويد التي ادعي نجله أنه صاحب الطفرة الرهيبة التي حدثت في محطات السكك الحديدية بهما.

للأسف الشديد، لقد عرت "تويتة" وجيه الابن، التي قام بحذفها بعد 75 دقيقة فقط من نشرها، المفاهيم الخاطئة التي زرعها من يسمون أنفسهم بـ "رواد الصحافة الإلكترونية" من شباب الصحفيين، والتي منعتهم من ممارسة دورهم الميداني، والتواصل بشكل مباشر مع المصادر، لدرجة أن مفهوم العمل الصحفي أصبح يقتصر لديهم على مجرد الجلوس أمام شاشات الكمبيوتر بحثا عن معلومة أو سقطة على الصفحات الشخصية للنجوم والمشاهير على مواقع التواصل الاجتماعي، يبنون عليها قصصا تافهة، لا غرض منها سوى الإثارة، وتحقيق أكبر قدر من القراءات.

وهو ما حول الصحفي للأسف، من ميداني صانع للخبر والانفرادات، إلى موظف مقيد بساعات حضور وانصراف، لا عمل له سوى النقل عن مواقع التواصل الاجتماعي، أو نشر البيانات الحكومية التي تصل له عبر "الواتس آب" أملا في تحقيق الحد المطلوب من القصص لتستيف "كشف الإنتاج" المطلوب تحقيقه خلال ساعات الشفت.

للأسف، لقد وصل حجم التردي المهني في المؤسسات الصحفية المصرية، إلى حد أن الصحفيين في كل تخصص جمعوا أنفسهم في جروبات على "الواتس آب" اسموه بـ "الجمعية"، حيث يقوم كل صحفي بوضع الخبر الذي حصل عليه على الجروب، ويقومون جميعا بتحويل تلك الأخبار إلى مواقعهم وصحفهم دون التحقق من صحتها، وهو ما حول كل الأخبار في كل الصحف والمواقع إلى صورة طبق الأصل، لا اختلاف بينها سوى في الصياغة، وإن تمت.

بل ووصل الحال إلى ما هو أسوأ، لدرجة أن رئيس تحرير معروف أراد يوما معاقبة صحفي عن تقاعسه عن نشر حادث تناقلته كل المواقع، فأكد له الصحفي أن الحادث مشكوك في معلوماته، وأن هناك كثيرا من تلك الحوادث يتناقلها الزملاء من على جروب "الجمعية" دون تحقق، وأكد له أنه سيدلل على ذلك خلال دقائق، وبالفعل جلس الصحفي والف قصة حادث لا أساس له من الصحة، مرفق بأرقام محاضر وبيانات لا وجود لها على الإطلاق، وقام بوضعها على "جروب الجمعية" وخلال دقائق كان الحادث الوهمي منشورا على كل المواقع الإلكترونية في مصر.

للأسف لقد أراد "خالد وجيه" أن يكشف "عن عمد" كذب كثير من المعلومات التي ترد على مواقع السوشيال ميديا، فكشف "دون قصد" عن كارثة ضعف المهنية في الصحافة المصرية، والتي تحتاج بالتأكيد إلى وقفة من "نقابة الصحفيين" لإعادة الأمور إلى نصابها، احتراما لقيمة وكرامة وشرف المهنة.
ولا عزاء للصحفيين.
Advertisements
الجريدة الرسمية