رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

حتى «الموت» يا......


لا أستطيع أن أصف من راحوا يكبرون ويهللون، ولم تهتز قلوبهم لقدسية وحرمة الموت، وتعمدوا توظيف الحادث المؤسف الذي وقع بمحطة السكة الحديد بالقاهرة، منذ أيام «سياسيا» سوي بـ«الوضاعة والخسة».


فلا أدري كيف لهؤلاء أن يجاهروا بالشماتة والفرح، في حادث بمثل هذه البشاعة، راح ضحيته مصريون لم يقترفوا ذبنا، ولم يرتكبوا إثما، ولا دخل لهم بنظام الحكم، أو سياسة الدولة، وجميعهم من المطحونين الذين يلهثون وراء لقمة العيش، وساقهم القدر إلى مكان الحادث، بحثا عن وسيلة مواصلات زهيدة الثمن، تتماشى مع دخولهم الضعيفة، ويتم استغلال موتهم بمثل هذه الوضاعة «علنا» على قنواتهم ومواقع التواصل الاجتماعي.

للأسف، أن الواقع يقول: إن هؤلاء «الشتامين الشماتين» تحولوا إلى أناس بلا قلوب أو مشاعر، وأصبح «إسقاط الدولة» هدفهم الذي يجنون من ورائه ملايين الدولارات، ومن أجله لا بد من استغلال كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، حتى ولو كانت «جثث كل المصريين الفقراء».

ألم يسأل هؤلاء «الشتامون» أنفسهم قبل التهليل والتكبير والإعلان شماتتهم، أي ذنب ارتكبه هؤلاء الفقراء الذين سقطوا، وبأي حق يتم توظيف مشهد موتهم بمثل هذا الفجر، وبتلك البشاعة، بهدف التنكيل بالنظام، وتصفية حسابات سياسية لا علاقة لأي منهم بها من قريب أو بعيد.

ألم يخطر ببال هؤلاء «الأغبياء» أن في شماتتهم «حقارة ووضاعة وخسة»، وأنه من بين من سقطوا من لا يعرف حتى اسم رئيس الوزراء، أو حتى رئيس المدينة أو الحي الذي يقطن فيه، وأن لهم أبناء يتموا وزوجات ترملوا، وكان من الوارد أن يكون من بينهم أب أو أخ أو أخت أو ابن لهم.

للأسف، إن الذين تجردوا من مشاعر الآدمية، ولم تهتز قلوبهم لبشاعة المشهد، وراحوا يهللون ويكبرون شماتة واستغلالا للموقف، كانوا يستهدفون في الأساس سقوط «الوطن» وسولت لهم أنفسهم المريضة العبور على «جثث المصريين» دون تفكير أن السقوط الذي يسعون إليه يعني سقوطا لهوياتهم وجماعاتهم وانتماءاتهم، وأنه إن حدث -لا قدر الله- سيتحولون إلى لاجئين مشردين لن يستطيعوا استبدال أو شراء هوية أو وطن ولو بمليارات الدولارات.

للأسف، لقد تحول هؤلاء «الشماتون» الذين لم تهتز أو ترتجف قلوبهم أمام بشاعة الحرق، والأشلاء المتفحمة، والجنازات، وبكاء الأطفال والأمهات والزوجات، إلى «مرتزقة» باعوا أنفسهم لدول وجماعات، جندتهم لإثارة الفتن الشائعات، مقابل دولارات «ملوثة بدماء أشقائهم من المصريين» لدرجة أنهم أضحوا لا يجدون حرجا في إعلان شماتتهم حتى في «الموت».

نعم هناك أخطاء وإهمال وتقصير، ومسئولية يجب أن يحاسب عليها كل الأنظمة التي تركت موفق السكة الحديد على ذات الحال الكارثي منذ يوليو 1952 وحتى الآن، ولكن ليست للدرجة التي تجعل البعض يعلن الشماتة في موت أبرياء ويقول "سبحان الله ربنا بيخلص لليماتوا في رابعة" دون النظر إلى أنهم جميعا "مصريون" ويؤلمنا سقوطهم.

رحم الله شهداء مصر، وكفانا شر هؤلاء «الشماتين» الذين لا تنطق قنواتهم إلا كذبا، وصفحاتهم إلا تحريضا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
Advertisements
الجريدة الرسمية