رئيس التحرير
عصام كامل

من سجن الأجانب إلى الزنزانة ١٩.. مواقف إحسان عبد القدوس مع النظام

 إحسان عبد القدوس
إحسان عبد القدوس

إذا كنت من عشاق الدراما فبالتأكيد مر اسمه على مسامعك، وأن تستمتع بإحدى روائعه التليفزيونية، كما أنه بالضرورة تدرك فوق سماع أسماء أفلامه أنك في حضرة إبداع فكري، ورؤى مميزة من نوع خاص.


تحل اليوم الذكرى المئوية لميلاد الكاتب الصحفي والروائي والأديب إحسان عبد القدوس، وما زالت حياته مليئة بالعديد من الأسرار والتي لم تنكشف بعد.

وكعادة أصحاب الرأي على مر العصور، تعرض عبد القدوس للكثير من التجارب السياسية الصعبة من أنظمة الحكم والرؤساء المتعاقبين، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى التدخل في كتابات لا علاقة لها بالسياسة بالأساس، ونرصد أبرزها كالتالي:

هذا الرجل يجب أن يذهب
اعتبرت مقالته التي حملت عنوان «هذا الرجل يجب أن يذهب»، في سن الـ25، في عام 1945، عقب الحرب العالمية الثانية، وانتعاش نسبة الحرية قليلا في مصر، أولى لبنات صدامه مع الحكام.

ويعود سبب كتابته لها لفرمان اللورد كيلرن، سفير بريطانيا في مصر، للملك فاروق، عام 1942 بضرورة تعيين مصطفى النحاس باشا رئيسا للوزراء بدلا من النقراشي باشا، رئيس الوزراء حينها، حيث رضخ حينها الملك لبريطانيا.

وبالرغم من مرور زمن على وقت الحادث إلا أن إحسان عبد القدوس قرر فتح الحديث مجددا عن إحدى صور خرق السيادة المصرية، متحديا الاحتلال والملك وحزب الوفد.

وساق بعدها رجال البوليس السياسي، الصحفي الشاب إلى سجن «الأجانب»، في منطقة باب الحديد، ليمضي ليالي سجنه «السياسي» الأولى.

في بيتنا رجل
تبدأ القصة، في 5 يناير من عام 1946، بعد قتل حسين توفيق السياسي البارز حينها لوزير المالية بحكومة الوفد أمين عثمان، ورصد 5 آلاف جنيه مكافأة لمن يرشد عن القاتل، وإعلان من يتستر عليه شريكا في جريمة القتل.

يقول إحسان عبد القدوس عن الواقعة: «ذات يوم استدعاني سعد كامل أحد شباب الحزب الوطني، لضرورة إخفاء القاتل الهارب».

ومن هنا بدأت الحيرة تدخل نفس إحسان عبد القدوس بين تحمل مسئولية إخفاء القاتل الهارب وإثبات أنه أحد الثوريين الشرفاء.. أو التراجع بدافع الخوف فيما سينتظره إذا افتضح أمره.

ليحسم بعدها عبد القدوس الأمر ويقدم على إخفاء الثائر الهارب في بيته، بل ويصير فردا من أفراد عائلته التي تحتضنه وتحميه، رغم شكوك البوليس السياسي بدور ما لعبد القدوس في تلك العملية لكن لم يعرفوا إلى أي حد ذلك الدور.

وعلى مدار 4 أيام، استمر اختفاء حسين توفيق بمنزل عبد القدوس إلى أن رأى الخادم فردا غريبا في حجرة النوم، ليقرر بعدها الثوار إعفاءه من تلك المهمة، ليدون بعد ذلك عبد القدوس تلك التجربة، وتحول بعدها إلى فيلم سينمائي بنفس الاسم.

الصدام مع رجال الثورة
وكانت بداية صدام عبد القدوس مع رجال ثورة 23 يوليو، بعد كتابته لمقال بعنوان «الجمعية السرية التي تحكم مصر»، ووجه خلاله نقدا لاذعا للضباط الأحرار في أسلوب إدارتهم للحكم بعد الثورة، مؤكدا ضرورة تعاملهم مع الحكم بأسلوب طبيعي، يملك فيه الشعب الحق في محاسبتهم، وليس بأسلوب الجمعية السرية التي تجهز للثورة، وتقودها.

كما وجه من خلاله ضرورة خروج عبد الناصر ورجال الثورة من الجيش قبل الشروع في بدء حياة نيابية ديمقراطية، كضمان لاستقرار وشفافية الحياة السياسية في مصر بعد الثورة.

ومن أبرز المقالات التي أشعلت غضب اللواء محمد نجيب، هو ذلك الذي وصف جمال عبد الناصر بأنه الرجل الثاني خلف نجيب، الأمر الذي لم يكن قرره نجيب حينها، لدرجة جعلت نجيب يهدد عبد القدوس بأنه سيعدمه، لكن لم ينفذ تهديده.

وبلغ خلاف الصحفي إحسان عبد القدوس مع رجال الثورة، ذروته بعد قرار تشكيل هيئة التحرير، والقرار الذي تلاه، والمتمثل في حل الأحزاب السياسية المصرية، والذي لم يأبه أن يقول إن ذلك تعد واضح على الحياة النيابية والديمقراطية في مهد عصر الجمهورية.

الزنزانة رقم 19
«قلب نظام الحكم»، هي التهمة التي وجهت لإحسان عبد القدوس في أبريل عام 1954، واقتيد على أثرها إلى الزنزانة رقم 19 في السجن الحربي.

ويقول إحسان عبد القدوس في كتاباته عن تلك الفترة: «كان فزعي وإحساسي المرير بالإهانة الشخصية عندما وجدت أن التهمة التي وجهت إلى فجر الثامن والعشرين من أبريل عام 1954 هي قلب نظام الحكم.. آية ثورة تلك التي أعاديها أو أتهم بالسعي لقلب نظام حكمها، وأن ثورة 23 يوليو قامت لتؤكد إحساس برفض الشعب لخطايا النظام السابق.. وهي خطايا حاربها كل الكتاب الشرفاء».

وعن شعوره وما مر به في الـ95 يوما التي قضاها في السجن الحربي يقول عبد القدوس: «إنه عالم غريب فعلا.. عالم السجن وخاصة السجون السياسية التي قضيت فيها خمسة وتسعين يوما متهما انا وزميلي المرحوم إسماعيل الحبروك بأخطر تهمة يمكن أن يتعرض لها مواطن.. تهمة العمل على قلب نظام الحكم.. أنا أعرض تجربة نفسية مرت بي تجربة وضعت فيها وطنيتي موضع الاختبار كل ما أذكره بها أن الأسابيع الأولى مرت بي داخل الزنزانة الانفرادية.. عصيبة.. عنيفة.. كل دقيقة تنخر في أعصابي حتى أصبح جسدي كله أعصابا ملتهبة.. ممزقة تشتعل نارا تمنيت لو أطفأتها».

ويضيف عبد القدوس عن تجربته أيضا: «في هذه الحدود الجديدة نسيت صباي الذي مر بي وشبابي الذي أعيش فيه والشيخوخة التي أخطو إليها وفي سبيل النسيان قطعت كل صلة لي بالحياة.. أخفيت صورة أولادي التي كنت أحملها فوق صدري وأخفيت الكتب التي سمح لي بها.. أخفيتها تحت السرير وأخفيت ساعتي حتى لا تشعرني بالزمن الذي يمر بي».

ويصف عبد القدوس كل ذلك قائلا: «لم يكن انتحارا بطيئا.. ولم يكن رغبة في الانتقام من أصدقائي الألداء ولكنه كان قبل كل شيء تصميما على قهر أعتى خصومي في مثل هذا الموقف العنيف.. وهو الضعف البشري الذي يمكن أن يحاصر أي إنسان يمر بمثل هذه التجربة».

البنات والصيف
كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر من محبي قراءة الروايات والقصص القصيرة، كما أعتاد على متابعة أعمال عبد القدوس، وفي إحدى المرات وفور إطلاعه على المجموعة القصصية التي حملت عنوان «البنات والصيف»، اعترض وغضب منها.

الرواية تدور حول بعضا من حكاوي البنات على شواطئ الإسكندرية في فصل الصيف، وما يتم فعله هناك، منتقدا بعض تصرفاتهم وغياب الأهل عن دورهم الرقابي والتربوي، كما هي عادة كتابات عبد القدوس من رفض الرذيلة بكافة أشكالها.

ومثلت الرواية أيضا، إحدى الأدوات التي استخدمها بعضا من كارهي الكاتب الراحل من مراكز القوى، وبدأت تدريجيا في زيادة الفجوة بين عبد الناصر وإحسان عبد القدوس.

ومن أقوال إحسان عبد القدوس في تلك الواقعة: «الفرق هائل بين قصة تدنيس شرف المرأة وقصة تصفع جهل بعض الأسر بواجبها نحو عملية البناء النفسي السليم لبناتهن.. أنا إذن مدافع عن كرامة المرأة.. ولست هادما أو فاضحا لهذه الكرامة».
الجريدة الرسمية