رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الشيخ الجليل.. وإرضاع الكبير!


اعترف بأنني كنت مخطئًا في حسن ظني، ولذلك خاب أملي، وأصبت بصدمة شديدة في الشيخ الجليل، والعالم الفذ، الذي كنت أعتقد أنه لا يشق له غبار.. فهو باحثٌ فردٌ، وخبيرٌ بأمور الدين والدنيا، ومتابع لكل التطورات التي تعتري العالم الحديث، ويسعى لتطوير فتاويه، تبعًا للتكنولوجيا، وثورة الاتصالات، ولا يقف عند حدود القرون الوسطى، ولا يؤمن بأن باب الاجتهاد قد أُغلق للأبد.


العالم الجليل لم يتوانَ عن إطلاق لسانه بالدفاع عن فتوى دمرت نفسيات مئات الألوف من الشباب المسلم، وحطمت معنوياتهم؛ حتى أعلن كثيرون منهم إلحاده.. واعترف صاحبُها، منذ سنوات، كما كشف ذلك الإعلامي جمال الشاعر، بأنه كان يستهدف من ورائها إثارة الجدل! وقد قُتلِلت بحثًا، وأهلنا فوقها الترابَ منذ سنوات.

قال الشيخ المهيب، لا فض فوه، قبل أيام، في برنامج تليفزيوني، لا يكاد يشاهده أحد: "إن الفهم الخاطئ لدى عامة الناس بشأن قضية إرضاع الكبير يكمن في تصورهم أن الشخص يضع فمه في ثدي المرأة، ولكن المعنى الصحيح هو وصول لبن ثدي السيدة من خلال كوب أو فنجان إلى جوف هذا الشخص، وهذا حل في حالة تدبر الأمر بعيدًا عن الفهم الساذج لحل العديد من المشكلات المجتمعية"!

يا سلااااااااااام.. هكذا أتى الشيخ بما لم يأتِ به الأوائلُ، ونجحَ في إنقاذ الأمة مما يحاك لها من مؤامراتٍ! ترك الرجل كل مشكلات المسلمين؛ مذابح الروهينجا.. صفقة القرن.. تمزيق اليمن وليبيا.. مجازر جنوب السودان.. توغل "داعش"، و"بوكو حرام" في العراق وسوريا وأفريقيا.. الفقر والجوع اللذين يعصفان بالملايين.. الهجرة غير المشروعة... وركز على "رضاع الكبير"، وكيف يتم!

لم يفكر العالم الكبير في أنه يُحَرَّم من الرضاع ما يحرم من النسب، وأن ذلك له شروط، منها؛ أن يحدث الرضاع في مدته الشرعية، وهي سنتان قمريتان من تاريخ الولادة؛ إذ بالإرضاع تصير المرضعة أمًّا من الرضاع لمن أرضعته، ويصير جميع أولادها – سواء من رضع معه أو قبله أو بعده– إخوة وأخوات له من الرضاع.

المبرر أن مكونات اللبن تدخل في تركيبة جسم الرضيع، ما قبل 3 سنوات.. فإذا تجاوز هذه السن لم يعد للبن نفس الأثر في جسمه.. ولهذا أصدرت الولايات المتحدة قانونًا لتجريم إرضاع الطفل بعد 3 سنوات.

ودون أن يرمش له جفن، رفع الشيخ عقيرته قائلًا، والمذيع ينصت فاغرًا فاه: "الغضاضة من قضية إرضاع الكبير حدثت نتيجة صورة ذهنية قادمة من عدم فهم عميق في الفقه واللغة للرضاعة، موضحًا أن إرضاع الكبير يعني وصول اللبن بأي وسيلة، وهذا ما ذكرته كتب الفقه سواء كان بالتنقيط أو من خلال الثدي مباشرة".. هكذا قال بالحرف، سامحه الله.

وأضاف، وقد أخذته العزة بالإثم، مدافعًا عن حديث ذكره "البخاري" :"في أمريكا يتبنون الأطفال وبعدين يدخلون في الإسلام، فيتساءلون أن الولد بلغ 16 عامًا هل نتركه في الشارع بعد تبنيه لعدة أعوام منذ طفولته، أم كيف يتم التصرف؟! فقلنا لهم لأ، هاتوا فنجان واسقوا له اللبن مرة واحدة، ويبقى ابنكم ويذهب الحرج الشرعي"، معقبًا: "حتى هذا الفهم الذي قد يحل العديد من المشكلات الاجتماعية رفضه الأئمة الأربعة، وأكدوا أن حديث إرضاع الكبير حالة خاصة سمح بها النبي صلى الله عليه وسلم".

واستطرد، مخالفًا للقول المأثور "الرجوع إلى الحق فضيلة": "لا يجب أن يكون للمرأة غضاضة من قضية إرضاع الكبير، لأن الحاجات دي ساعات بتنفع، وقد تعطي رحمة كبيرة للخلق، والغضاضة ليست من السيدة عائشة ولا من الحديث ولكن من الصورة الخطأ في فهم الرضاعة".

هكذا حل العالم الجليل أزمة كادت تودي بالعالم إلى شفير الحرب العالمية الثالثة!!

وقبل أن نختم أناشدكم أن تقرأوا ما يلي:
أليست زوجات النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، أمهات المؤمنين بنص القرآن الكريم؟! فما هي الحاجة لأن يأمرهن وغيرهن، بإرضاع الرجال، ليتاح لهم الدخول عليهن في أي وقت؟!

قال الدكتور عبد الرحمن العدوي، الأستاذ بجامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية، الذي كان الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق، قد فوضه في إصدار فتوى الأزهر الرسمية، "أن هذا الموضوع ليس من الشريعة الإسلامية، ولا يقول به شرع الله تعالى ولا يستسيغه عقل مسلم تربى على تعاليم الإسلام.. إن إرضاع الكبير لا يُحرم النسب مُطلقًا؛ لأن زمن الرضاع حدده المولى عز وجل في قوله تعالى:"وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ". فتمام الرضاعة يكون في حولين كاملين. وما بعد ذلك يكون مُحَرَّمًا".

وقَالَ رَسُولُ اللَّه،ِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لايُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ". قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ:
إَنَّ الرَّضَاعَةَ لا تُحَرِّمُ إِلا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ الْكَامِلَيْنِ فَإِنَّهُ لا يُحَرِّمُ شَيْئًا. (انظر كتاب الترمذي حديث رقم: (1072).).

وحتى لو كان هذا الحديث قاله رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، فقد رفضت أمهات المؤمنين تلك "الرخصة".. فقد روى مسلم - كتاب الرضاع – باب رضاعة الكبير- حديث رقم [2641]: "حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أُمَّهَا أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تَقُولُ: أَبَى سَائِرُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُدْخِلْنَ عَلَيْهِنَّ أَحَدًا بِتِلْكَ الرَّضَاعَةِ وَقُلْنَ لِعَائِشَةَ وَاللَّهِ مَا نَرَى هَذَا إِلا رُخْصَةً أَرْخَصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِمٍ خَاصَّةً فَمَا هُوَ بِدَاخِلٍ عَلَيْنَا أَحَدٌ بِهَذِهِ الرَّضَاعَةِ وَلا رَائِينَا".

سبحان الله، هذا الشيخ الفاضل كان مرشحًا لمشيخة الأزهر الشريف، وكان البعض يراه أحقَّ بالمنصب العظيم، إلا أن الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك كان له القول الفصل، وفور عودته من ألمانيا، في مارس 2010، حيث كان يُعالَج، اختار الطيبَ لينقذنا من كارثة، أو كوارث.. فالحمد لله.. لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع.
Advertisements
الجريدة الرسمية