رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

نبلاء المنصورة


في البدء كانت الكلمة، والكلمة وعاء العلم وجدار التدوين، والعلم هو سر صيرورة الحياة، تلك المعانى تجسدت أمامي داخل أحد فنادق القاهرة، وسط نخبة من علماء مصر الأجلاء، زينوا القاعة بكل ما لذ وطاب من صنوف المعارف والعلوم، استعدادا لإطلاق أول جائزة يقدمها القطاع الخاص للبحث العلمى، جائزة الدكتور محمد ربيع ناصر مؤسس جامعة الدلتا للعلوم والتكنولوجيا.


ولأن الجائزة خصصت في عامها الأول للبحث العلمى في مجال العلوم الطبية، فقد كانت المنصورة «مدينة نبلاء الطب» حاضرة بقوة، حالة من الصمت سادت بين أوساط المتقدمين لنيل الجائزة، ضمت القاعة بين جدرانها نخبة من أطباء مصر الذين قدموا تجارب إنسانية فريدة على مستوى العالم، وطالوا بقاماتهم عنان السماء، وأصبحوا نجوما في سماء العالم، بما قدموه للإنسانية كلها، فرسالة العلم عابرة للحدود لا يقف بينها وبين الناس كل الناس حائل.

عدد كبير من الأبحاث القيمة، وصلت إلى لجنة التقييم برئاسة الأستاذ الدكتور العالم الجليل حسين خالد عميد معهد الأورام القومى الأسبق ووزير التعليم العالى الأسبق، وقد أدهشنى وجود عدد من العلماء الشباب والشابات بين المتقدمين، ولم يكن التنافس بين عباقرة العلوم الطبية المصريين سوى أيقونة مصرية، تؤكد من جديد أن مصر لا تزال في محيطها أكبر منتج علمى، رغم كل الظروف والتحديات.

عدد كبير من رؤساء الجامعات، وكبار الأطباء، ومسئولين رسميين، وشخصيات عامة، ورجال إعلام، ورجال قانون، حرصوا على حضور حفل التدشين الأول لجائزة محمد ربيع، كانت لجنة التقييم قد قالت كلمتها، وكل الحضور في انتظار إعلان النتيجة التي لم تكن مفاجئة، عندما أعلن فوز بحثين مهمين في مجال الكلى والمسالك البولية، ولماذا لا والمنصورة رائدة هذا المجال، وتنافس كبري الجامعات على مستوى العالم.

أنتجت مدرسة العلامة الجليل الدكتور محمد غنيم زهورا وورودا، وأينعت ثمار أشجارها الوارفة عددا وفيرا من نبلاء الطب، فاز العالمان الجليلان الأستاذ الدكتور أحمد شقير رئيس مركز الكلى الأسبق، والأستاذ الدكتور حسن أبو العينين فارس الطب المعروف في مجال الكلى والمسالك البولية، تصفيق حاد هز جدران القاعة، وانحناءة علماء تغلف المكان، وعلامات رضا على وجوه الجميع بما فيهم المتسابقون الذين يعرفون قدر العالمين المصريين العالميين.

الفائزان ينتميان إلى مدرسة الدكتور غنيم، التي صكت طريقا إنسانيا في وضع رسالة الطب داخل معين من الاحتواء والتضحية، وإعادة الهيبة إلى الصورة الذهنية لطبيب يلجأ المتألمون إليه طلبا للعون والنجاة، وطمعا في حياة جديدة، مدرسة وضعت الأمور المادية في خانة التجاهل والنسيان، قدمت لمصر والعالم قيما حضارية اعتلت قمة الرسالة الإنسانية، منتصرة على مادية طغت وتجبرت في غفلة من الزمن.

كلا الفائزين ليس عندهما عيادة خاصة، رغم أن كلا منهما منفردا هو حالة علمية إعجازية، فقد منحهما الله هبة العلم الخالص لوجهه الكريم، وكلاهما أغناه الله بقيم لم تجرحها قيم التجارة، ولم يقترب منها جبروت المادة، فعاشا بين المعامل ووسط التجارب، يقودهما الحنين إلى قيمة إنسانية تسكن آلام المجروحين والمطاردين بداء المرض اللعين، أصبحا علامتين وقامتين في سماء الطب على مستوى العالم كله، فقدما بلدهما من جديد.

تواضع العلماء العارفين يسكن جبهتيهما، فلا ترى إلا نورا ويقينا، بأن رسالة الإنسان هي المعرفة، وطريقه للحياة يكمن في سرها، والسر يسكن كلمة من أربعة حروف "اقرأ"..على منصة التتويج يقف العالمان البارزان لا تستطيع إلا أن تقرأ شيئا وحيدا على وجهيهما "هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون".. بالطبع لا..

حصل العالمان على جائزة البحث العلمى مناصفة، كما حصلا على درع جامعة الدلتا وميداليتها الذهبية، وحصلت مصر على جائزة رفيعة تعيد للأذهان دور القطاع الخاص في ترسيخ قيم كثيرا ما غابت عنا وغاب معها تداعيات تقدير العلماء، ووضعهم أمام الأجيال كرموز يجب أن يقتدي بها.
Advertisements
الجريدة الرسمية