رئيس التحرير
عصام كامل

رقص كما لم يكن يحلم


إن جسد الإنسان في معركة دائما مع الجاذبية، فالأرض تشده لتسيطر على حركاته وتؤثر في طاقته، وهو يتطلع إلى السماء والأفق دوما.. يرغب في التحليق في الفضاء اللانهائي، لكن الجاذبية تسحبه إليها.. لكن الجسد يتمرد وفي تمرده جاءت الرقصات الموقعة المعبرة عن مشاعره ومكنون أفكاره.. مرات عن ابتهاجه وأحيانا عن طقوس عراكه مع الحياة، ومرات عن شعائر عبادته للرب أو طلب العون منه.


الرقص هو من أقدم الطقوس والشعائر التي مارسها الإنسان منذ الأزمنة البعيدة، لم نعرف حقا متى.. لكنه أقدم من كل التواريخ.. فقد وجد الإنسان راقصا من قبل تدوينات التاريخ بكثير.. راقصا لدفع كوارث الطبيعة التي يخشاها.. راقصا لترويض الحيوانات للصيد.. راقصا للتحفيز على الحروب.. ومرات أخيرة راقصا للتعبير عن البهجة.. ووجد كل ذلك مسجلا في الكهوف والمعابد القديمة.

الرقص هو لغة الجسد الأولى قبل الكلام.. هو أداة فطرية مباشرة للتعبير عن الأفكار وردود الأفعال والمشاعر.. لغة واحدة يتحدثها الجسد البشري المقدس في كل أنحاء العالم وكل الأزمنة.. لغة لا تحتاج لقواميس أو تراجم أو أرشيفات.. هي لغة الجسد بكامل فطرتها المبدعة المبهرة.. كان الرقص منذ بداية الإنسان ملازما له كلغته الخاصة يتحرر بها من كامل المفردات ويطلق لروحه المساحة لتلتقي بإيقاع خاص من الأداء المتناغم للتعبير عن ذاته بحركات جسده الخاص.. ينطلق منسجما مع أفكاره محرر لكل الطاقات الكامنة داخله.. وترغب في الخروج بعيدا عن الجسد، منطلقة في الفراغ الكوني صارخة في البرية مؤكدة لمعنى ينبض داخلها ويرغب في التحرر ويرغب في التشكل في هذا الفضاء اللانهائي.

يحب الإنسان جسده يعيش بداخله يعبر عنه، يطلق ما يجول بعقله ووجدانه عبر هذا الجسد... الرقص هو استجابة الجسد البشري لصوت الطبيعة، وهو أحد لغات الجسد الحرة المتسقة مع إحساسه كنوع من التحرر الطاقي، ربما صوت الطبيعة يكون هو صوت نابع من أعماقه وروحه.. أو ربما جاء صوت موسيقى لتتلامس مع إحساسه.. فعلاقة الإنسان بالموسيقى علاقة أبدية.

جزء من مكنونه الداخلي، سواء كانت موسيقاه الداخلية أو موسيقى أتته من الخارج ولمست مشاعره.. الموسيقى محرك وباعث طاقة كبير، تمتلك من التأثير على الانفعالات والأفكار سطوة حقيقية.. كان الرقص على مر التاريخ يمثل جزءا من حياة الإنسان وما زال.. وقد تطور وأصبح مصنفا تبعا للثقافات والهوية والمناطق الجغرافية.

وتطور إلى جزء من المتعة الاجتماعية ونوع من الاحتفال الشعبي صاحب الطابع الخاص بالهوية.. وأصبح أيضا جزءا من العلاج النفسي، حيث أظهرت الأبحاث ما له من أهمية كبيرة في إخراج الطاقات السلبية وتحرير الضغوط والتعبير عن الذات، وبالتالي صناعة السعادة.

بالرقص حقا نصنع السعادة.. لا تجد شخصا يرقص إلا وتتسرب إلى نفسه السعادة بعد بضعة دقائق من الاندماج في هذا الفعل المزاجي الحركي... ومن أساليب الاستمتاع بالرقص والوصول به إلى نتائج إيجابية أن يكون في إطار من الحرية الكاملة، ويكون مقبولا اجتماعيا حتى يلبي الهدف الأصيل له داخل الإنسان وهو التحرر الكامل ثم الاندماج، وبالتالي الوصول لكل إيجابيات الرقص.

فقدموا لأجسادكم وأنفسكم السعادة.. اصنعوها بالاستمتاع بالرقص وممارسته، فالسعادة لها ارتباط شرطي بالمتعة ومتعة الرقص من أعلى المتع الجسدية والنفسية، فارقصوا... كما لم ترقصوا من قبل.
الجريدة الرسمية