رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الأنبا بيمن رجل «إطفاء الأزمات» بالكنيسة : ما يؤلمنا أن العمليات الإرهابية تتم بأيدٍ مصرية

فيتو



  • مصر تواجه مؤامرات خارجية لـ«إسقاطها»
  • اليهود استغلوا غيابنا وأعطوا مفاتيح "دير السلطان" لـ«الإثيوبيين» 
  • تراجعنا عن منع سفر الأقباط إلى القدس بناء على طلب القيادات الفلسطينية
  • زيارة السجين لا تعني أنني أساعد السجان 
  • أموال التبرعات تكون على اسم البابا بحساب خاص
  • في حال وجود مشكلة يتم الاتصال بالبابا مباشرة ولا يتأخر علينا في أي طلب 
  • الإعلام «يبحث عن جنازة ويشبع فيها لطم»
  • نصيحتي للقنوات الفضائية والإعلام «أظهروا الإيجابيات حتى لا يصاب المواطن بالإحباط» 

من القدس إلى أقاصي الصعيد.. من الأزمة التاريخية مع الكنيسة الإثيوبية، إلى فحوى وبنود قانون "بناء الكنائس"، دار الحوار مع الأنبا بيمن، أسقف مطرانية الأقباط الأرثوذكس بنقادة وقوص، مقرر لجنة إدارة الأزمات بالكنيسة المصرية، وممثل الكنيسة القبطية لدى الكنيسة الأرثوذكسية.

المناصب التي يتولاها الأنبا بيمن، جعلته يستحق لقب الرجل "المهم"، فاللجنة التي يتولى منصب "المقرر" فيها مهمتها الأولى حل الأزمات، ليس بعد حدوثها فقط، لكن منوط بها العمل على عدم حدوثها من الأساس.

ملفات عدة وضعناها على طاولة الحوار مع الأنبا بيمن، منها ما هو تاريخي، وما هو طائفي، وما هو قانوني، وكعادته كان ممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لدى الكنيسة الإثيوبية، واسع الصدر صبورًا وواضحًا في إجاباته التي تكشف مدى إلمامه بالتفاصيل كافة.. فإلي نص الحوار:

البداية كانت من النقطة الأكثر سخونة.. نقطة "دير السلطان" الذي يعتبر واحدًا من أخطر الملفات العالقة بين الكنيستين الإثيوبية والمصرية، ولذا يجب التعامل معه بحرص خاصة في ظل الظروف الحالية، ولهذا سألنا الأنبا بيمن عن كيفية إدارته لهذا الملف، ليرد بهدوء معروف عنه قائلًا: "إننا نتناول الأمر بهدوء شديد وبحنكة من البابا تواضروس الثاني مع البطريرك متياس هناك، ومع وفد الكنيستين نسعى لإيجاد حلول وتقديم مستندات تثبت أحقيتنا في الدير، ولدي ثقة في أننا سنصل إلى نتيجة مرضية للجميع.

انطلاقًا من الإجابة تلك سألنا الأنبا بيمن عن الأسباب التي حالت دون طرح ملف دير السلطان في مفاوضات السلام مع الإسرائيليين؟ ليرد قائلًا: "ملف دير السلطان كان له ترتيب، إلا أن السادات كعادته فاجأنا بذكاء يغلب على المكر قليلًا، وكان ضمن المفاوضات أن إسرائيل طلبت التطبيع مع مصر كشرط من شروط معاهدة السلام، وكان شرط أن يزور نحو 200 ألف مصري لإسرائيل، والمصريون وقتها كانوا رافضين موضوع الزيارة لإسرائيل، ووقتها طلب الرئيس السادات من البابا شنودة الثالث أن يزور 200 ألف من الأقباط للقدس، ضاربًا بمثل "عصفورين بحجر واحد" إلا أن البابا كان حسه الأمني أعلى، لخوفه على أبنائها، ووقتها كانت الدول العربية نفذت جبهة الصمود.

وتم نقل الجامعة العربية من مصر، وهو ما يعني أن البابا وقتها إذا وافق على طلب الرئيس كان أبناء الشعب المصري من الأقباط الذين يعملون في البلدان العربية ستلصق بهم تهمة الخيانة وسيتم طردهم، ووقتها البابا قال: "إنه سيحدث انقسام والشعب المصري المسلم سيرفضني"، ورفض طلب السادات قائلًا: "لن أذهب إلى القدس إلا وأخي المسلم معي"، وكان رد السادات وقتها بشطب ملف دير السلطان من المفاوضات، واعتبره شأنا كنسيا وليس وطنيا، وهذا ما يمكن اعتباره سقطة تاريخية، خاصة أن مساحة الدير 1800 متر، وباب الدير على باب كنيسة القيامة، وكان هذا الأمر بالنسبة للحجاج المصريين شيئا كبيرا، حيث ينزل الحجاج من سكن المطرانية يمرون بالدير ويدخلون إلى الكنيسة مباشرة، لكن الأمر اختلف كثيرا الآن فهم يمرون بنحو كيلو نصف حتى يصلوا إلى الكنيسة.

لا نزال في منطقة "القدس"، حيث سألنا الأنبا بيمن عن الأسباب التي ترتب عليها قرار الكنيسة بمنع الأقباط المصريين من زيارتها، ليرد: "القرار تم اتخاذه منذ فترة الكرسي البابوي للبابا كيرلس السادس، وكان قرار المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية بناءً على طلب الأنبا باسيليوس مطران القدس في ذلك الوقت أن يمنع زيارة الأقباط، وكان هذا القرار في عام 1970، ووقتها ساعدت إسرائيل الإثيوبيين في الاستيلاء على دير السلطان وهذا الدير مصري، ولدينا كافة المواثيق الدولية، كما أن مصر كانت تستضيف الأثيوبيين، وفي فترة من الفترات كان عدد من الرهبان الأثيوبيين أكثر من المصريين في الدير، فاعتبروا أن هذا ملكية خاصة لهم، وأن إسرائيل في ليلة عيد ميلاد قيامة استغلت غياب مطران القدس أثناء صلاته العيد والرهبان المرافقين لهم، وغيروا أقفال دير السلطان وسلموا مفاتيح الأقفال الجديدة للإثيوبيين، ومن وقتها صدر قرار منع زيارة الاقباط وبعدها اتخذ الأمر الطابع الوطني.

بمرور السنوات تحول الرفض الكنسي لزيارة القدس إلى ترحيب وعدم ممانعة، وهو أمر برره ممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لدى الكنيسة الإثيوبية، بقوله: الآن هناك سلام، والرؤساء الفلسطينيون هم الذين يطلبون من البابا السماح للأقباط بالزيارة لتشغيل الفنادق والمحال التجارية، كما أن زيارة السجين لا تعني أنكم تساعدون السجان بحسب كلام الفلسطينيين أنفسهم، وهناك زيارات لشخصيات عامة منها الدكتور علي جمعة وقت أن كان مفتي للديار المصرية للقدس، هذا إضافة إلى الصلح بين الفلسطينيين والإسرائيليين والرئيس الفلسطيني يطلب ذلك، بالإضافة إلى أننا نزور القدس لمدة أسبوع وبعدها نعود، فما الداعي لرفض الزيارة بحسب آراء أبنائنا، كما أن هناك ضغطا من جانب الشباب خاصة عندما يشاهدون عبر صفحات التواصل صور أقاربهم بالخارج وهم في زيارة القدس، والشاب الذي يرسل صورا إلى والديه الكبار في السن، وهذا الأمر جعل البابا يقول من هم بالخارج ليس لدينا سلطان عليهم.

الإرهاب الذي تواجهه مصر خلال السنوات الماضية، لم يستثن مسلما أو قبطيا، مسجدا أو كنيسة، لهذا سألنا الأنبا بيمن عن الجهود التي تبذلها الكنيسة لمواجهة الإرهاب، فصمت لحظات قليلة، قال بعدها: "الحرب شديدة ومدبرة وممولة وهذا ما تقوله الشواهد، وللأسف التنفيذ يكون بأيدٍ مصرية وهذا ما يؤلمنا أكثر، ونحن نعي هذا الأمر كثيرًا، فمنذ سنوات كان قرار غلق كنيسة يحدث هياجًا بالداخل والخارج، لكن بعد حادث فض رابعة والنهضة 83 كنيسة ودير تم تدميرها ولكن رد الفعل كان إيجابيا جدًا، ولم يسأل أحد لماذا كان رد الفعل بهذا الشكل، لأننا عرفنا أن الهدف مصر وهو يريد أن أكون في المقدمة ووقتها التزم الصمت نهائيًا، وأقول "أنا فداء لمصر"، ولم يخرج علينا واحد بصوت عالٍ ليقول شيئًا، ووقتها ذكر البابا مقولته المشهورة، "وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن"، ورغم الهجوم الذي واجهه البابا وقتها إلا أنه لم يستمع إلا لصوت مصر فقط وهذا هو الجين المصري.

انتقلنا بعد ذلك إلى الحديث عن ملف إدارة الأزمات بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وسألناه عن اختصاصات اللجنة والدور الذي تلعبه قبيل وبعد الأزمة، ليرد باستفاضة: "اللجنة كان لا بد لها أن تنشئ داخل الكنيسة، وتم إنشاؤها منذ تولي البابا الكرسي المرقسي، وكان هذا نتيجة أحداث سابقة مثل الاعتداء على الكاتدرائية، وغيرها من مؤسسات الدولة ومشيخة الأزهر، بالإضافة إلى أحداث تهجير الأقباط في البدرشين وغيرها من المناطق الأخرى قبيل فترة 30 يونيو، وتولى الرئيس مقاليد الحكم، واللجنة لديها علاقات طيبة مع الجهات السيادية والأمنية لتفادي أي أزمة".

وعن تشكيل اللجنة قال: "24 عضوا بينهم 6 أساقفة و4 كهنة و14 علمانيا، ومن أهم اختصاصاتنا منع حدوث الأزمة، وهذا يحتم علينا أن يكون بيننا أشخاص لديهم حس بحجم الموضوع، لذا فكرنا بأن يرشح الأب الأسقف كاهن أو شخص علماني معه ليكون متواصلا معنا في اللجنة، ليبلغنا حال خروج الأزمة عن السيطرة، وبفرض حدوث الأزمة فعليًا، فإننا نبدأ أولًا بعلاجها إعلاميًا حتى لا تتبلور وتصبح متضخمة وتوضع في نطاقها الطبيعي، وعلى الفور يخرج المتحدث الإعلامي للكنيسة بتصريحات مباشرة عن الوضع.

وسألنا عن دوره في مواجهة الثائرين عند وقوع أية أزمة؟ فرد بهدوء شديد قائلًا: "أنا عاطفي ومش عاطفي"، وعندما طلبنا إيضاح الأمر، قال: "عاطفي بين وبين نفسي ولكن العكس تمامًا أمام الناس وأتعامل كما لو لم يحدث شيء"، بالإضافة إلى أن مندوبينا يتحركون بسرعة إلى موقع الحادث، لإنهاء الأوراق مثل تصاريح الدفن وإثبات الواقعة، وما يتبع ذلك، وتحرير المحاضر، ونهتم بالمصابين كثيرًا لحين تماثلهم للشفاء.

وعلى الفور نستخرج المساعدة الخاصة بالدولة للشهيد، والدولة هي التي تصرف المبالغ المالية بداية من 100 ألف إلى 200 ألف كدفعة أولى، وبعدها يتم استخراج معاش شهري لأسرته وبحسب الأفراد بداية من 1500 جنيه حتى 3 آلاف ونصف الألف، بالإضافة إلى هيئة رعاية الشهداء والمصابين، وهذا شيء في منتهى الروعة التي قدمتها الدولة، كما أنني أقوم بالزيارة لجميع المصابين حتى في حادث مسجد الروضة، وزورنا 68 مصابا.

ولم ننس أن نسأل الأنبا بيمن عن أسباب اختياره لهذا المنصب؟ فرد ضاحكًا: "لا أعلم كيف تم الاختيار، ولكن قد يكون السبب في الحركة والعمل بشكل دائم".

وكان لا بد لنا من أن تتضح الأمور في أسباب اختيار 14 علمانيا داخل إدارة لجنة الأزمات، ليرد قائلًا: "لدى مجالس الكنائس مفعلة داخل الإيبارشية يوجد بها 7 أو 9 بينهم عنصر قانوني ومحاسب وسيدتان على الأقل، وشخص مهتم بقضايا الشباب، الاستعانة بالعلمانيين للخبرات والعلاقات، بالإضافة إلى وجود اثنين من أساتذة الإعلام لبيان ما يصلح للنشر ولا يصلح، ونحن تدربنا على يد متخصصين في إدارة الأزمات وحصلنا على دورات لمعرفة حجم الأزمة، ومن يعمل في تلك اللجنة يكون من المتطوعين.

وسألنا عن دور اللجنة في أموال التبرعات التي تأتي للكنيسة؟ فرد بحسم قائلًا: "أموال التبرعات تكون على اسم البابا بحساب خاص، وفي حال وجود مشكلة يتم الاتصال به مباشرة، وهو بالطبع لا يتأخر علينا في أي طلب وقلبه مفتوح دائمًا".

الملف الذي يعد من أصعب الملفات التي مرت على لجنة إدارة الأزمات، سألنا الأنبا بيمن عن كيفية التعامل معه، فرد: أزمة أقباط العريش مجتمعية وكان بينهم من قتل ومن أصيب وآخرون تم تهجيرهم وطلبة جامعيون وحياة كاملة تم نقلها من مكان إلى آخر، وكانت الدموع تسبق الجميع، ووقتها كان لا بد من التكامل مع أجهزة الدولة حتى لا تضيع الحقوق، وكان بينهم وافدون كثيرون، ولكن لم يثبتوا أنفسهم هناك وبينهم أشخاص قطعت أرزاقهم، وكان هناك بعض الوصوليين الذين سعوا إلى ركوب الموجة، فكان علينا تحري الدقة بشكل كبير.

وتم الاستعانة بكل الإمكانيات، لدرجة أن الشخص الذي يتم الشك فيه نجعله يمر على عدة مكاتب، ويتم توجيه نفس الأسئلة من أجل الوصول إلى الحقيقة، وعدد المهجرين كان 294 أسرة بينهم 172 أسرة بالإسماعيلية، والباقي تفرق على أقاربهم في مختلف المحافظات، وآخرون عادوا إلى محافظاتهم، كما واجهنا مشكلة ندب الموظفين بدلًا من نقلهم حتى يستطيعوا الحصول على بدل المناطق النائية، وتم عمل مكتب خاص بهم تحت إشراف أسقفية الخدمات بالكنيسة الأنبا يوليوس هو القائم بالأعمال.

وضعنا على طاولة الحوار مع الأنبا بيمن، ملف "قانون الكنائس"، وإلى جواره كان ملف مشكلات الكنائس غير المقننة، ليرد قائلا: بصفتي أسقفا فلدي 19 كنيسة ودير بينها كنيستان فقط صادر لهما قرار جمهوري، والباقي ليس له تراخيص، فقانون بناء الكنائس تم من أجل استحالة استخراج رخصة، فكان يتم البناء بقرار أمني، فمثلًا كنيسة قوص ذكرت في كتاب الحملة الفرنسية عن وصف مصر لما زارت قوص، ومن أجل هدمها وبنائها مكثت 9 سنوات منذ عام 1991 حتى 2000، حتى حصلت على قرار جمهوري، وتم عمل قانون بناء الكنائس من أجل ترخيص ما هو قائم وتسهيل بناء ما هو قادم، وتم إبعاد الأمن نهائيًا عن الموضوع بحسب نص القانون.

وعند الحديث عن ملف الإعلام، وتحديدًا ما يوصف بـ"الإعلام الديني"، قال ممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لدى الكنيسة الإثيوبية: "الإعلام يبحث عن مصلحته الشخصية ولا يبحث عن المصلحة العامة للبلد، مثل "الشخص الذي ينظف منزله من الداخل ويلقي المخلفات أمام بابه"، ورغم هذا لا يمكنني إنكار أن هناك إعلاما هادفا، لكن الخط الإعلامي العام يمكن وصفه بأنه "يبحث عن جنازة يشبع فيها لطم"، وأطالب وسائل الإعلام بإظهار الأشياء الجميلة حتى لا يصاب المواطنون بالإحباط.
Advertisements
الجريدة الرسمية