رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

شرقي خائن


هل جربت يوما أن تواجه نفسك بحقيقة تصرفاتك، أو تكاشف ذاتك بالأسباب التي تحاول أن تخفيها عن الآخرين، لما تقوم به من سلوك قد يعد نقيصة لا يتقبلها المجتمع بصفة عامة!


كثير من التصرفات التي نقوم بها قد يفرضها علينا المجتمع بتقاليده وأعرافه وقيوده المتوارثة، كفرض زواج الأقرباء في بعض العائلات، وكرفض عمل المرأة مع أنها تحمل شهادة جامعية في عائلات أخرى، كالموافقة الضمنية على الزواج بأخرى أو طلاقها إذا لم تنجب له الذكور لضمان امتداد اسم العائلة.. إلخ.

وكثيرا جدا ما نمتنع عن القيام بتصرفات رضوخا للمجتمع ذاته، كرفض فكرة الزواج بأخرى، وإن كانت الزوجة الأولى لا يجد الزوج السعادة معها، أو أنها لا تنجب مثلا، ممتثلين لرأي مجتمعي في أن العشرة الزوجية بينهما بديل للسعادة، وأن عدم إنجابها قدر يتحتم الرضوخ له بعدم البحث عن الإنجاب من أخرى والرضا بقضاء الله "برغم أن التعدد حلله الشرع"!

وبرغم أن كل تصرف أو سلوك نقوم به يحاسبنا الله عليه منفردين، إلا أن الشخص يخاف من محاسبة المجتمع له بالنبذ أو بالاستنكار أو الرفض!

بضغوط المجتمع يصل الشخص إلى قناعات لا تمثله بل فرضت عليه، بأعراف المجتمع يختنق الرجل والمرأة على حد سواء من تصرفات يطبقانها دون أن يقتنعا بها، أو يكون لهما الحق في تنفيذها من عدمه.

وإن استعرضنا تصرفا واحدا في مجتمعاتنا الشرقية، سنجد إجماعا عليه دون سبب، أو نبذه دون إقناع، سنجد دائما عرفا أو عادات أو تقاليد تحكمنا، وتبرر لما يستسيغه المجتمع، ولكن لا يسعد به الأفراد.

في مجتمعاتنا الشرقية المغلقة والمنغلقة الفكر -إذا جاز التعبير- نجد ضغوطا اجتماعية على المرأة العزباء "المطلقة أو الأرملة"، لجعلها تكتفي بتجربتها الأولى في الزواج، وإفناء الباقي من عمرها في تربية أولادها ومن بعدهم أحفادها، حابسين تلك المرأة في الوحدة، التي يتلامز المجتمع عليها فيها!.. متسائلا لماذا هي بلا رجل!

يختار المجتمع طريقة الحياة لها ويلومها عليها!

ولكن للقلب أحكامه، كما للمجتمع قيوده، وإذا جنحت المرأة لاحتياجها بأن تعيش بسعادة بجانب رجل يقدرها ويتفهمها، ويحمل معها أعباء الزمن المتراكمة عليها معا، نجد المجتمع يحدد بأعرافه ويقيد بتقاليده اختيار المرأة للزوج المستقبلي، فيجب أن يكون أعزبا هو أيضا "مطلق أو أرمل"، فالارتباط برجل متزوج يعد جريمة يعاقب عليها المجتمع لتلك المرأة الخاطفة للرجال، المستميلة لأرباب البيوت، الخاربة للأسر، اللعينة التي تبحث عن زوج في حدود غيرها من ممتلكات زوجة أخرى ألا وهو الزوج.

يضغط المجتمع على الرجل والمرأة على حد سواء، ليجعل ما حلله الله من فكرة الزواج بأخرى كـ"سر"، حراما، نقيصة، عارا، مهانة، جريمة!

يجعلهما المجتمع يخافان العيب، ولا يهتم المجتمع بالحلال، فالأهم كيف نواجه المجتمع، والثانوي هل نخاف الله !

من هنا.. حكم المجتمع الشرقي على المرأة بالوحدة، والانعزال، داعين لها بعظيم الثواب عند الله! وحتى نكون منصفين فإن المجتمع قد يحكم على الرجل والمرأة معا بالزواج السري، أو العرفي، كبديل لزواج حلله الله ورفضه المجتمع.. ولكن.. ماذا عن الرجل!

بضغط المجتمع عليه، لخوفه من هدم بيته الأول لو تزوج من أخرى، لخوفه من حرمانه من أولاده، ولرهبته من مواجهة المجتمع يلجأ الرجل لما يسميه المجتمع بالخيانة..

هو يحتاج لأخرى، لأسباب عدة انغرست بداخله من المجتمع نفسه، فمثلا يريد إنجاب الذكور، أو زوجته الأولى لا تنجب من الأساس، أو مريضة، أو أنهما ليسا على وفاق، ويخافا مواجهة المجتمع بالطلاق، أو يخافا من تبعات الطلاق ماديا، أو من أجل أولادهما سيكملان مشوار الحياة معا لكن منفردين، هي تتفانى في تربية الأولاد، وهو لا يقصر في الجانب المادي مع الأسرة، كلاهما يلتزم بدوره، ولكن الزوج لا يقوى على الالتزام بكبت مشاعره مثلما تفعل الزوجة، فيبدأ الإحساس باحتياج ملح للإشباع.

العاطفة.. احتياج نفسي يحتاجه الرجل والمرأة، فيبدأ الرجل البحث عن إشباعها، وتظل المرأة منتظرة طريقة لإشباعها.. يرى المجتمع زواج الرجل المتزوج بأخرى بعدة عدسات متباينة الرؤي، ولكنها متشابهة المعنى، بصرف النظر عن تفاصيل كل حالة "وإن كان الآخرون من المفروض ألا يتدخلوا في تصرفات واختيارات بعضهم".

في معظم الحالات يرى المجتمع الزوج بأنه خائن لزوجة تحملت معه أعباء الحياة، يصفه بالمزواج هدفه استغلال ما حلله الله من تعدد الزوجات لإغضاب الله في زوجته الأولى، وقد يحكم عليه أنه غير محترم، ولاهث وراء النساء، ولا يقنع بواحدة أيا كانت ظروف تلك الزيجة الأولى.

ومن المبكيات المضحكات أن الزوجة الثانية تعتبر الرجل خائنا، لأنها اختارها وأراد أن يتزوجها على زوجته الأولى، وتخاف منه أن يخونها مع امرأة أخرى كما خان الزوجة الأولى معها!

وهناك عدد قليل ممن حوله من أفراد مجتمعه، يجد له العذر "وليس الحق" في الزواج بأخرى، لو أحس بمدى احتياجه أو ظروفه!

حينما نخاف من المجتمع أكثر من مخافتنا من الله تنشأ فجوة في تلقينا للحدث، البعض يراه حقا، والبعض الآخر يراه خيانة، وكثيرا منا يخاف أن يواجه الموقف لخوفه من إدانة المجتمع، لا من محاسبة الله..
Advertisements
الجريدة الرسمية