رئيس التحرير
عصام كامل

الجرائم ضد النساء لا تنتهي!


كتبت في نهاية أغسطس الماضي مقالا بعنوان "دارت الدوائر على Me Too"، قلت فيه "إن الغرب ضاق ذرعا بالضغط النسائي لتحقيق مزيد من المكتسبات ونيل الحقوق، وبدأ الانتقام من الناشطات لإعادة الأمور مثلما كانت قبل انكشاف فضيحة منتج هوليوود هارفي واينستين وعشرات الممثلين وغيرهم".


في ظل الانشغال بالبحث عن فضائح الناشطات مثلما حدث مع الإيطالية آسيا أرجنتو، لتبييض صفحات المتحرشين والمغتصبين، وإيقاف النساء عن المطالبة بمزيد من الحقوق، صدمت أوروبا بجريمة مروعة راحت ضحيتها صحافية تليفزيونية بلغارية تدعى فيكتوريا مارينوفا (30 عامًا)، وجدت مقتولة بطريقة وحشية بعد اغتصابها في حديقة عامة بمدينة روسي البلغارية، وكانت فيكتوريا تحقق في قضايا فساد لها علاقة بالاتحاد الأوروبي.

لم يخل الأمر من إبداء الأسف والمطالبة بسرعة ضبط الجناة ومحاسبتهم وإجراء تحقيق معمق لعدم تكرار الجريمة، وهي بيانات وتصريحات معتادة عقب كل جريمة تطال النساء.

مارينوفا مديرة إدارية لمحطة تليفزيونية صغيرة في روسيا، وبدأت أخيرا تقديم برنامج حواري بعنوان "ديكتاتور"، تناولت في الحلقة الأولى منه تحقيقًا عن عمليات احتيال مفترضة لصناديق تابعة للاتحاد الأوروبي مرتبطة برجال أعمال كبار وتديرها سلطات محلية وسياسيون.

سقطت مارينوفا قتيلة في حربها ضد الفساد، بعدما اغتصبها الجناة بوحشية لأنها مارست مهنتها بحثا عن الحقيقة. ولم تكن فيكتوريا الضحية الوحيدة من الصحافة، بل سبقها اغتيال صحافيين بارزين في مالطا وسلوفاكيا، لكي يستمر الفساد والفاسدين.

وفي الهند التي تعد من أكثر البلدان التي تتعرض فيها النساء للتحرش والاغتصاب الجماعي، لم تأبه الممثلة البوليوودية تانوشري دوتا بصعوبات تواجهها نساء اعترفن بما تعرضن له من تحرش أو اغتصاب، وأقدمت بشجاعة نادرة على الإبلاغ رسميا ضد 5 من الوسط الفني تحرشن بها، لتدشن رسميا الحملة العالمية "أنا أيضا" في الهند.

أبلغت دوتا الشرطة بشكوى خطية عن زميلها نانا بيتيكار، لأنه تصرف معها بطريقة غير مناسبة خلال تصوير فيلم كوميدي رومانسي، وشملت الشكوى مصمم الرقص غانيش أشاريا والمنتج سمير صديقي والمخرج راكيش سارانغ. كما اتهمت المخرج فيفيك انيهوتري بالتحرش بها خلال تصوير أحد الأفلام.

ومع تلقى دوتا الدعم من نجوم بوليوود مثل بريانكا شوبرا وسونام كابور وفرحان اختار، إلا أنها باتت هدفا لحملة تشهير كبيرة بمواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا من جمهور بيتكيار وانيهوتري، فضلا عن تعرضها لتهديدات عنيفة من أحد أحزاب اليمين المتطرف إن لم تتراجع عن شكواها في الشرطة، خصوصا أن دوتا فتحت الباب الأيام الماضية لممثلات أخريات للكشف عما تعرضن له من تحرش بمعرفة ممثلين ومخرجين، وانتقلت الاتهامات إلى قطاعات أخرى لتشمل رؤساء تحرير وكتابا مشهورين وغيرهم، ما جعل الأحزاب المتطرفة تنتفض ضد النساء.

الأمر لم يكن أفضل حالا في هوليوود بعد أن رضخت بضعة أشهر لضغط وانتصار النساء، لكنها عادت لضبط الإيقاع واستعادة السيطرة الذكورية، فبعد أن اتهمت نحو مائة امرأة هارفي واينستين بانتهاكات جنسية مختلفة وهو ينفي، إلا أن القضاء وجه إليه تهمة الاغتصاب. لكن المنتج النافذ تمكن من اختراق صفوف النساء بفضيحة الممثلة الإيطالية آسيا أرجنتو التي تتهمه باغتصابها، كما حشد المدافعات عنه خصوصا أوبرا وينفري وميريل ستريب وأخيرا الإسبانية بينلوبي كروز، التي قالت أن "التعامل مع هارفي كمنتج صعب. وجرت بيننا مناقشات مهنية حامية لكني عدا ذلك، لم أجد نفسي في أوضاع مختلفة معه".

وأبدت كروز استغرابها الشديد من اتهام صديقاتها له بالتحرش والاغتصاب، خصوصا سلمى حايك، وقالت أن النجمات قادرات عن التعبير عن أنفسهن.. لكنني ينبغي أن أتحدث باسم النساء غير المشهورات، عاملات التنظيف أو المدرسات والطبيبات والمحاميات ومن لا يحصلن على فرصة رواية قصتهن، لأن النضال في هذا الأمر طويل الأمد".

لم يقنع فريق الدفاع عن واينستين بهذا القدر، بل نجح في تقديم موعد المحاكمة لتبدأ في الحادي عشر من الشهر الجاري وليس نوفمبر المقبل، ومن شأن هذا التعديل أن يصعّب مهمة الادعاء في قضايا الاغتصاب والاعتداء الجنسي، التي يواجه هارفي بسببها احتمال السجن مدى الحياة.

ويسعى الدفاع للتشكيك في مصداقية شهادة إحدى النساء الثلاث اللواتي وجهن التهم رسميا إلى واينستين، فضلا عن أن المحقق الرئيسي في القضية في شرطة نيويورك بات هو نفسه محط تحقيق، لأنه لم يبلغ المدعي بإفادة تتعارض مع تلك التي قدمتها المدعية لوسيا إيفنز.

إنها مجرد ثغرات يلعب عليها المحامي الشهير بن برافمان، الذي نجح خصوصا في إسقاط الملاحقات والتهم في حقّ دومينيك ستروس-كان، رغم اعتراف هارفي واينستين أن كل العلاقات الجنسية التي ارتبط بها جرت بالتراضي، وفي حال تمكن برافان من استغلال الثغرات، قد يسقط الاتهام الموجه إلى واينستين في هذه القضية، وتعود الجرائم ضد النساء إلى نقطة الصفر!.
الجريدة الرسمية