رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الشيخ أحمد الشرباصي: الهجرة كانت بداية ثورة

الشيخ أحمد الشرباصى
الشيخ أحمد الشرباصى

في مجلة المجتمع العربى عام 1959 وبمناسبة عيد الهجرة كتب الشيخ أحمد الشرباصي أمين الفتوى بالأزهر مقالا قال فيه:

نحن الآن في شهر المحرم، فاتحة شهور العام العربى، وهو شهر الهجرة، وكانت الهجرة بداية الثورة الكبرى في تاريخ البشر، ومن الموضوعات التي لا يمل حديثها ولا تسأم سيرتها حياة محمد صلى الله عليه وسلم إمام البشرية وسيد الإنسانية، وفى حياة محمد الجليلة أيام خوالد، ولعل أروعها وأسطعها هو يوم الهجرة الذي هبت علينا نسمات ذكراه.

وأول عبرة تتجلى لنا في حادث الهجرة أن محمد صلى الله عليه وسلم يخرج من بيته مهاجرا في سبيل الله حرصا على دعوته، ولم تكن الهجرة من مكة إلى المدينة يومذاك سفرا قاصدا، ولا رحلة هينة، بل كانت في الظروف التي تمت فيها عملا محفوفا بالمخاطر والأهوال.
خرج محمد صلى الله عليه وسلم من وطنه وسكنه وداره مهاجرا إلى دار جديدة، فأية قسوة دعت ذلك المهاجر الكريم إلى أن يركب متن الصحراء وأن يتعرض لحرها وأهوالها وخطرها وهو في فقر من ماله، وقلة من رجاله وكبر من سنه فقد تجاوز الخمسين بسنوات.

فما الذي حمله على هذا التعب وقد كان في استطاعته أن يفوز بالعيش الهانئ والمقام الطيب في داره ـــ إذا أراد ــــ فقد عرضوا عليه ذلك، عرضوا عليه المال والرياسة والجاه مقابل أن يترك هذه الدعوة التي يدعو بها ويترك سب آلهتهم وتسفيه أحلامهم، أو يقابلهم في منتصف الطريق يحترم دينهم ويحترمون دينه، لكنه أبى واستعصم لأنه يدعو إلى الحق الخالص وهتف فيهم بما علمه الرب قائلا:
"يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولى دين".

كانت الهجرة بداية ثورة عملية واسعة، فقد كان المسلمون قبل الهجرة مستضعفين في مكة، لا يتمكنون من تصرف ولا يمتعون بحرية ولا يصلون إلى حق من حقوقهم الضائعة وكان المشركون يتحكمون في مكة يطغون على المؤمنين ويذيقونهم ألوانا من العذاب والاضطهاد.

فلما تمت الهجرة أخذ المسلمون يتنفسون الصعداء وشرعوا يصلحون ما أفسده الشرك والكفر، نظموا صفوفهم، وبدأوا ينازلون الشرك المتجبر المتعنت ويجاهدون في مختلف الميادين ليقلموا أظافره ويخففوا من غلوائه.
 
لقد شرح الله تعالى صدر الفاروق عمر بن الخطاب وبمشورة المسلمين إلى أن يختار يوم الهجرة فاتحة للسنة العربية، ومبدأ للتاريخ الإسلامي.
وهكذا كانت الهجرة فيصلا بين مرحلتين بارزتين في حياة المسلمين الأوائل، في المرحلة الأولى كانوا يلاقون الهوان والعذاب فيتحملون صابرين كارهين مضطرين.
وفى المرحلة الأخرى انتقل المسلمون إلى موقف الدفاع والجهاد والبناء والتعمير.
ما أجمل المسلم حين يجعل ذكرى الهجرة نقطة تحول وانتقال، فينتقل فيها من وضع لا يرضيه إلى وضع آخر يعلو فيه ويقوى ويتطهر ويتزكى.

أما البعد فإن الهجرة اليوم ذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين، وإذا كان الصادق الأمين قال عن الهجرة الحسية المعروفة في تاريخه (لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية)، فإن باب الهجرة الروحية والمعنوية مفتوح إلى أن تقوم الساعة فقال الرسول الكريم: المهاجر من هجر ما نهى الله عنه.
Advertisements
الجريدة الرسمية