رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

البئر المربعة


كنت أمر وأنا سريعة في مرورى بهذه الأرض الرملية.. كما أني أعشق لون الرمال واحتار في تحديدها، هل هي ذهبية تنبئ بعروق ذهب أم هي بقايا قليلة لاحتراق عظام مخلوطة بتراب أبيض.


أحب مشاهدتها، أرمي بنظري في الفراغ وأكون محملة ببهجة قد صنعتها، واحتفل بذاتي المبتهجة، أخطو على الرمال وأشاهد شكل أقدامي بها، محاولة أن أزيدها عمقا مرة، وأسطحها بخطوة خفيفة مرة أخرى، قابلني بئر له فتحة كبيرة نسبيا ومربعة.. وبدت لى أنها ليست عميقة على الإطلاق.. تطلعت إلى التجربة المحدودة.. وجريت إليها متناسية عمق خطواتي على الرمال..

عندما التقيت حافتها هدأ إيقاعي، لكنني وددت النظر لأرى ماذا بعد.. نظرت داخل البئر، وأنا سارحة بآخر شعاع شمس يختفي ويترك للنجوم مكانه، إنها ليلة بها نجوم كثيرة ولا قمر هنا.. البئر ليست عميقة كما توقعت أربع جدران مطلية باللون الأزرق، ووسادة من ريش نعام صغيرة جدا يجلس هو عليها، لكنها لا تحمله بالكامل فنصفه مستند على أرض البئر المليئة بالزلط الملون المنمق، وله حواف غير جارحة.

جالس في صمت لا يفعل شيئا كأنه أتم كل ما يجب.. نظر إلي بدهشة ثم ابتسم، فاستأنست له، بحركة طفولية ركعت على رجلى واستندت بيدي على حافتها، انزلق شعرى الطويل حتى وصل أطراف أصابعه، مد يدا واحدة وأخذ يمسك شعري.. انحنيت أكثر حتى ملأ شعرى كفيه، وكأنه يصلي في تأمله لى.

سألته عما يفعل هنا.. كان بطيئا في إخراج صوته، وقرر أن يخبرني فقال: إن هذا مكانه أعده بكل دقة. وأراد ألا يكون عميقا حتى يرى السماء ويعرف مواعيد المطر، حينها سيخرج ليزرع جزءا يمتلكه في أطراف الصحراء ويبقي بين زرعته يرعاها.

قد بدا عليه عطش شديد من حرارة الشمس لأيام كثيرة. وقطرات ماء عرقة قد شربتها أرض البئر الزلطية. أنا أحمل زجاجة فارغة، وأعرف مكان الطعام سأذهب وأحضر لك ثمارا من شجرة الفراولة هي قريبة.. وبغصن شجرة كان في يدي أتحسس طريقي حتى لا أصطدم بشيء، فالظلام بدا يقترب وشمعتي الصغيرة تنير وتوشك تنطفئ من الهواء، لكني سأصل إلى الشجرة قبل اكتمال الظلام أحفظ طريقي إليها.

وانطفأت الشمعة عند تمام وصولي للشجرة، جمعت منها الكثير، وكنت انتقي أجمل الثمار، واملأ زجاجتي بالماء من الينبوع الذي يروى الشجرة، وأنا استرجع صورته وأتخيل ابتسامته عندما يرى ثمراتي.. عندما انتهيت راجعة بسرعة الهواء الذي يدفعني إليه.. خطر لى هاجس أوشكت أقع على وجهي، فكرت أنه ربما أعود إلى البئر فلا أجده..

نظرت إلى نجوم السماء التي كانت تراقبني، وصعد صوت من داخلى يطلب بقاءه كالسيف فرق صوتي النجوم... ورأيت صورته.. ينتظرني.. جريت أسرع من الهواء وصلت وبشغف أمسكت حافته اطمأننت أنه هنا كما رأيته تماما، وكان يعرف كل ما ألم بي.. حينما بادرت بثمراتي ومائي إليه.. تشبث بشعرى ودعاني للدخول حتى يراني جيدا..

وبرغبة في الاقتراب منه أطلقت يداى له، قبض ذراعى بقوة العارف أني آتية له.. تقابلت عيونه بكل جزء في.. اطمئن أنني كما كنت بداخله تماما، ورغم ذلك راح يجلسني وهو مليء بالتردد.. وانشغل قليلا في تأمله لثوبي الشفاف الفضي، وهو متداخل مع أطراف شعرى..

الجو بارد قليلا، وأنا أتلمس الدفء من حرارة كفيه قد جلسنا معا على أرض البئر، وكفينا متقابلين، وأنا أنظر إلى السماء انتظر مواعيد المطر حتى يخرج هو ليزرع جزءا يمتلكه في أطراف الصحراء ويبقي بين زرعاته يرعاها.
Advertisements
الجريدة الرسمية