رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (6)


نأتي لمصيبةٍ من مصائب ما ترويه (كتب الصحاح)، حيث تلصقُ اتهامًا لا يليق بخاتم الأنبياء، وهو الشكُّ في شرف زوجته، السيدة "ماريا القبطية".. "عن أنسٍ أن رجلًا كان يُتَّهَمُ بأمِّ وَلَدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعليّ: اذهبْ فاضربْ عنقه، فأتاه على، فإذا هو في ركي يتبرد فيها، فقال له عليّ: أخرجْ، فناوله يده فأخرجه، فإذا هو مجبوبٌ ليس له ذَكَر، فكفَّ عليٌّ عنه، ثم أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنه لمجبوب ماله ذكر".. (رواه مسلم في باب: التوبة؛ براءة حرم النبي صلى الله عليه وسلم من الريبة)..


ألا تروي كتب السيرة عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، أنه لم ينظر لعورة قط؟! فكيف له أن يخالف مبدأه في هذه القصة بالتحديد؟! وكيف يصدق النبي، صلى الله عليه وآله، مزاعم المرجفين، والمتقولين، في حق حرمه؟! بل وكيف يسمح مسلم لنفسه أن يردد تلك الأكاذيب، وأن يطعن في شرف الرسول، والعياذ بالله؟!

ولعلنا لا ننسى ما رُوي عن "حادثة الإفك"، وكل ذلك يحمل طعنًا في شرفه، صلى الله عليه وآله، وعرضه.

وقال رسول الله، صلى الله عليه، وآله: "إني لم أُبْعَثُ لعَّانًا"، ولكنَّ هناك حديثًا يناقض ذلك.. عن عائشة قالت: دخل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو، فأغضباه فلعنهما وسبَّهما، فلما خرجا، قلت: يا رسول الله، من أصاب من الخير شيئًا ما أصابه هذان، قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتَهما وسببتَهما، قال: أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا".. (مسلم: البر والصلة والآداب؛ من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه…).

المتن هنا غير منطقي، فكيف يشرح النبي لعائشة ما تعرفه، بدليل أنها بادرته بالقول: إن هذين أصابا من الخير ما لم يصبه أحد؛ فهي تعلم إذن فحوى ما سيقوله الرسول، صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف يسب الرسولُ، ويلعن، وهو صاحب الخلق العظيم، أحدًا مهما فعل؟!

هل يصدق أحد من العالمين أن نبي الرحمة يحتقر الناس، ويأمر بالتضييق عليهم، ومحاصرتهم، لأنهم يخالفونه في العقيدة؟! كيف يتسق هذا مع قوله تعالى: "لا إكراه في الدين".. و"فمن شاء أن يؤمن ومن شاء فليكفر"، و"إنك لن تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء"؟! "عن أبي هريرة أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروه إلى أضيقه".. (رواه مسلم في باب: كتاب السلام؛ النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام).. كيف يمكن أن تستقيم الحياة بهذا الشكل؟!

وفي سياق مختلف، هل يمكن أن يكون رسول السلام، صلى الله عليه وآله، عنيفا ودمويًّا بالصورة التي يرسمها الحديث التالي، الذي رواه مسلم: "عن أنس أن نفرًا من عكل ثمانية، قدموا على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض، وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها، فقالوا: بلى، فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا، فقتلوا الراعي، وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فبعث في آثارهم، فأدركوا، فجيء بهم، فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم، ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا، وقال بن الصباح في روايته: واطردوا النعم، وقال: وسمرت أعينهم".. (مسلم في باب: القسامة والمحاربين والقصاص والديات؛ حكم المحاربين والمرتدين)..

هل يصل التطرف لدرجة التنكيل بالناس، حتى لو كانوا مجرمين؟! أي عنف هذا الذي يدفع صاحبه لأن يأمر أتباعه بفقء عيون المعتدين؟! هذه التصرفات نربأ برسولنا عنها، ولا يتورع عنها المدافعون عن التراث جميعه ودعاة الجمود.

النموذج التالي، مما ترويه كتب السيرة، يخالف القرآن الكريم، الذي قال: "والله يعصمك من الناس".. "عن أنس أن امرأة يهودية أتت رسولَ الله، صلى الله عليه وسلم، بشاة مسمومة، فأكلَ منها، فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك، فقالت: أردتُ لأقتلك، قال: ما كان الله ليسلطك على ذاك، قال أو قال عليّ، قال: قالوا: ألا نقتلها؟ قال: لا، قال: فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وسلم".. (متفق عليه واللفظ لمسلم. ورواه البخاري في باب: الهبة؛ قبول الهدية من المشركين.. ورواه مسلم في باب: السلام؛ السم).

أي أن النبي ظل متأثرًا بالسم الذي تناوله من اليهودية.. "عن عائشة رضي الله عنها، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجدُ ألمَ الطعام الذي أكلتُ بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم".. (رواه البخاري في باب: المغازي؛ مرض النبي، صلى الله عليه وسلم، ووفاته).. فهذا يعني أنه، صلى الله عليه وآله، وسلم، مات مسمومًا؛ فكيف يرضى مسلم عاقل أن يُروى ذلك الخبلُ عن رسول الله؟!

وفي "كتب الصحاح" أن النبي يتعرض للسحر، ويقع فريسة له: "عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سُحِر، حتى كان يُخيَّل إليه أنه صنع شيئا ولم يصنعه".. (رواه البخاري: الخمس؛ هل يعفى عن الذمي إذا سُحِرَ).. وهناك روايات كثيرة في هذا الصدد.

هل يمكن أن نطمئن لتصرفات إنسان يُسْحَر؟! حاشا لله أن يحدث ذلك مع رسول الله، صلى الله عليه وآله، وسلم.

أتصور أن هناك مؤامرة كبرى تستهدف هدمَ الإسلام، وتشويه سيرة رسولنا الأعظم، وعلى الأزهر الشريف، ووزارة الأوقاف، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ودار الإفتاء، وكل مؤسساتنا الدينية، وعلماء الدين جميعهم، أن يَهُبُّوا لدحضها، وكشف أبعادها، ومحو آثارها، واضعين نُصْبَ أعيننا أنَّ نبيَنا هو من قال فيه ربُّ العزة: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ".
Advertisements
الجريدة الرسمية