رئيس التحرير
عصام كامل

الدكتور أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي الأسبق: انهيار الدولة المصرية بدأ من نكسة 67

فيتو



  • نعيش فراغا سياسيا منذ عام 1954.. والجبهة الداخلية غير مترابطة وكل طرف يبحث عن مصالحه الخاصة
  • النظام متشكك في المعارضة.. والطرفان لا يقدران قيمة الحوار للخروج من النفق المظلم
  • أزمة القرارات الاقتصادية أنه لا يصاحبها إجراءات اجتماعية لحماية الغلابة
  • مجلس النواب لم يقم بدوره حتى الآن.. ووظيفة النائب الدفاع عن حقوق المواطنين

حمل الدكتور أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي الأسبق، الرئيس جمال عبدالناصر، مسئولية الانهيار الذي تعاني منه الدولة المصرية منذ نكسة عام 1967، مشيرا في حوار ضمن سلسلة حوارات "الصوت الآخر، معارضة من أجل الوطن" التي أطلقتها "فيتو" مؤخرا إلى أن مصر بعد تلك الفترة سخرت كافة مواردها المالية لمعركة تحرير أرضها ولم يكن هناك أي اهتمام بأي شيء آخر من تعليم وصحة واقتصاد وغيرها.

البرعي يرى أن هناك فراغا سياسيا كبيرا تعيشه مصر، منذ عام 1954، مشيرا إلى أن الحكومة والمعارضة لا يرغبان في الحوار للخروج من النفق المظلم الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، مشددا في الوقت نفسه إلى أن هناك اعتقادا سائدا لدى النظام بأهمية عدم وجود معارضة لتنفيذ خططه دون حملات تشكيك.

وأوضح أنه حاول تقريب وجهات النظر بين الحكومة والمعارضة ولم ينجح نظرا لتشكك الطرفين، لافتا إلى أن ظروف الدولة الاقتصادية صعبة للغاية والضغط على الجماهير قد يؤدى إلى انفجار، ولابد من عمل حساب للغلابة لأن مصر لا تتحمل ثورات جديدة.. وإلى نص الحوار: 

كيف ترى الأوضاع السياسية الحالية في مصر؟
من الواضح أن الأحزاب السياسية لا تستطيع العمل على الساحة، لعدة عوامل أساسية، منها أن هناك فراغا سياسيا منذ عام 1954، وكان هناك أمل بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير أن تنشط الحياة السياسية والحزبية، لكن ذلك لم يحدث لأسباب كثيرة، بالتالى لا نستطيع أن نتحدث عن حياة سياسية حاليا، الأمر الآخر يبدو أن هناك اعتقادا سائدا بالنسبة للنظام الحالى ألا يكون هناك معارضة على الساحة حتى يتمكنوا من تنفيذ الخطط التي يرون أنها تنقذ وتفيد البلاد، لكن أعتقد أن ذلك غير صحيح، أولا لابد أن نعترف أن هناك رئيس حكومة ورئيسا للدولة لهم رؤيتهم لكن هذا لا يمنع أن يستمعوا إلى الطرف الآخر، لا أقول أن يفرض الطرف الآخر رأيه عليهم لكن يتم الاستماع إليهم فمن الممكن أن يكون لديهم أفكار تستطيع أن تسارع بالخروج من الأزمة.

متى كانت بداية الانهيار الاقتصادي في مصر؟
كانت بداية الانهيار بعد هزيمة 67 التي سميت بالنكسة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، نظرا لاحتلال سيناء، وكان الجميع يصر على عودتها مرة أخرى للوطن، فلما قيل إن السلاح المصرى تحطم من خسائر 67، وبالتالى أغلب موارد الدولة كانت تنفق على الأسلحة، لم يكن لدينا رؤية أو خطط للتطور، بالتالى كنا نقول بأن التعليم يسير في الطريق الجيد أصبح هناك ازدحام شديد في الفصول لما يقارب 100 طالب في الفصل الواحد، ولم يكن لدينا استيعاب وتصور للزيادة السكانية الجديدة، وأيضا منذ عام 1984، توقفت التعيينات في الجهاز الإداري للدولة، وبدأت أيضا البطالة في الزيادة، لدينا مشكلات كبيرة للغاية، لا تحل إلا من خلال المشاركة والاستماع للجميع، سواء للعلماء أو لليساريين، أو اليمين، العالم لم يعد فيه نظم اشتراكية أو رأسمالية العالم اليوم يتحدث عن النظام الفردى الاجتماعى الذي يعترف بالمسئولية الفردية وفى نفس الوقت يحقق العدالة الاجتماعية.

ولا توجد أمة في العالم تستطيع أن تتقدم إلا من خلال تحقيق العدالة الاجتماعية، وعندما نترجم ذلك من الناحية السياسية تعنى الاهتمام بالإنسان المصرى أولا، من خلال التعليم والصحة فهما نقطتان أساسيتان، نريد أن يكون لدينا نوع من التوجهات العامة، بمعنى المحافظة على التعليم والصحة ونبحث عن كيفية التنمية التي تؤدى لزيادة دخول المواطنين، حتى يستطيعوا المعيشة مع الزيادات في الأسعار، وهذا لم يحدث إذا كان فريق وحده منفرد في السلطة، من المفترض أن بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو أن يكون هناك مشاركة في الحكم وذلك لا يقوم إلا على أحزاب سياسية قوية، لكننا للأسف الظروف الحالية لا تسمح بأحزاب سياسية قوية، الدولة لا تستوعب الأحزاب، ولا الأحزاب استوعبت دورها على الساحة، وهو مأزق حقيقى لا بد من الخروج منه، من الواضح أن الجبهة الداخلية ليست مترابطة جيدا، وهناك انقسامات كبيرة للغاية، الانقسام الأول كان في الأحزاب الدينية، والانقسام الثانى كان في المجتمع المدني، بالتالى الجبهة الداخلية ليست جبهة قوية، تستطيع أن تصنع برامج، لابد أن يكون هناك وحدة بين الجبهة الداخلية.

لابد أيضا من وجود حوار بين السلطة والمعارضة، لا تفرض المعارضة رأيها فيه، لكن رأى الأغلبية هو الذي يتبع، والصندوق هو الذي جاء بالاغلبية ويأخذ القرار ويتحمل الفشل والنجاح، لكن لا بد من سماع الرأى الآخر أيضا كما أكدنا، لكن الأزمة أنه لا يوجد لدينا وسائل تبادل الرأي والرأي الآخر، من الجانبين السلطة والمعارضة.

وأين دور المعارضة على الساحة حاليا؟
دور المعارضة ضعيف للغاية نظرا لأن وسائل العمل والأدوات غير متاحة لهم، وأيضا وسائل النشر قليلة، وسائل الاستماع إليها قليل أيضا بالتالى دورها ضئيل للغاية، بالرغم أن لديها وجهات نظر تقتضى الدراسة والفحص فيها، حتى نرى هل تخرجنا من المأزق أم لا، لكن عدم التحدث بين المعارضة والسلطة يترتب عليه أن يكون هناك رأى واحد والرأى الأخر معارض على طول الخط، بغض النظر عن القرارات التي تتخذها الحكومة نظرا لأنه ليست كل القرارات صحيحة وليست كلها خاطئة، لكنه طالما لا يوجد حوار بينهما يضطر الطرفان أن يرفضوا آراء بعضهما.

هل لا تريد الحكومة الاستماع لرأى المعارضة؟
حاولت كثيرا بين الطرفين الحكومة والمعارضة ولم أنجح في ذلك، نظرا لأن الطرفين متشككان متشددان، كلاهما يرى أنه لا يوجد جدوى من الحوار، الأزمة التي نمر بها وخاصة الاقتصادية.. والجماهير التي ترى أن الإجراءات الاقتصادية جاءت عليها، تقتضى أن يشرح الجميع الأسباب والبحث عن وسائل للتخفيف، لا أرى أن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة بها أخطاء، لكن أقول إنه إذا كانت الإجراءات الاقتصادية ضرورية كان ينبغى أن يصاحبها إجراءات اجتماعية، لابد من عمل حساب الناس الغلابة اللي تحت، ليس تعويم الجنيه فقط هو سبب الغلاء لكن الغلاء جزء منه بسبب الجشع، الأسعار تزيد بطريقة كبيرة من قبل التجار، لابد أن تدخل الحكومة في عملية التسعير حتى يستطيع البسطاء المعيشة، الضغط على الجماهير شىء مخيف وقد يؤدى إلى الانفجار في أي وقت، نتمنى ألا تحدث ثورات أخرى، نظرا لأن الظروف الاقتصادية في البلاد صعبة للغاية، نتمنى أن تكون هناك انفراجة سياسية تعبر بنا هذه المرحلة.

هل كان لا بد من القرارات الاقتصادية الأخيرة؟
الحكومة لم تطلع على بدائل القرارات الاقتصادية ولم ترد علينا في البدائل التي تم طرحها وإرسالها إليها، كان هناك متخصصون في المجال الاقتصادى، لكن الحكومة لم تنظر إلى البدائل، وهو ما أقصده بالحوار المجتمعى حاليا، وربما تكون مفيدة، لكن الحكومة اتخذت القرار وأنه هو الصحيح فقط، الفئة البسيطة موجودة، والأعداد الواقعة تحت خط الفقر تزيد من حين لآخر، وستستمر في ظل الظروف الحالية، الإنتاج لدينا ضعيف وأيضا التصدير، والاستثمار، كل ذلك يؤدى إلى زيادة، ولم يعد هناك تعيينات أيضا، وفرص العمل تقل من حين لآخر والبطالة تزيد، بالتالى الأزمة الاقتصادية تستمر في التفاقم ولابد من المشاركة في حلها، والحل الوحيد هو الحوار الاجتماعي.

كيف ترى أداء مجلس النواب بعد ثالث دور انعقاد له؟
لا تعليق على أداء مجلس النواب، الجميع يتحدث عن أداء المجلس، ولا أريد أن أهاجم أحدا، ولا أعتقد أنه قام بدوره تماما، وظيفة النائب أنه يدافع عن المواطن المصرى.

كيف ترى المطالبات بتعديل الدستور لزيادة مدة الرئاسة؟
نتذكر أنه كان لدينا مشكلة في فترة الرئاسة قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، لا يوجد أحد يترك فترة الرئاسة مفتوحة في العالم كله، ويجب أن تكون محددة، وأرجو أن يعطى للدستور فرصته دون تعديلات حتى نستطيع التمرس على الحياة الدستورية، وأن يحصل على وقته والابتعاد عن أي تعديلات، سواء بزيادة مدة الرئاسة لأكثر من مدتين أو لزيادة المدة الواحدة، أو بأى شكل من الأشكال.

كيف كانت الأوضاع إبان توليك وزارة التضامن الاجتماعى؟
لم أحضر الوزارة في فترة حكم الإخوان، توليت وزارة التضامن في حكومة الدكتور عصام شرف قبل حكم الإخوان، ثم بعد ذلك في وزارة المهندس حازم الببلاوى بعد سقوط حكم الإخوان، بعد ثورة الثلاثين من يونيو، كنا نرى هناك مشكلات تحتاج إلى حلول، نظرا لأن المشكلات متراكمة منذ 1967، حتى الآن، كنا ندرك هذا جيدا، ونحاول إيجاد حلول، الدين العام، وانهيار التعليم والخدمات الصحية، انهيار الجنيه المصرى، وانهيار مرفق السكة الحديد مع أنها كانت من أعظم نظم القطارات في العالم، كل ذلك بدأ بعد 67، لم يكن هناك الموارد الكافية للدخول في معركة مرة أخرى للحصول على أرضنا مرة أخرى التي احتلها العدو، وأقولها إن 67 كانت بداية انهيار المؤسسات المصرية.

ما أفضل شىء قدمته إبان فترة توليك وزارة التضامن؟
الحد الأدنى والحد الأقصى للأجور واستطعت أن أعيد الحوالة الصفراء وهى أموال المصريين في العراق الـ500 مليون دولار، ووضعت قوانين للعدالة الاجتماعية نسير عليها حتى الآن.

بماذا ترد على من يطالبون بوجود حزب سياسي للرئيس؟
أي رئيس في العالم يأتى من حزب، أمامنا الرئيس الفرنسى ماكرون صعد للرئاسة من حزب سياسي، رئيسة ألمانيا أنجيلا ميركل جاءت لرئاسة ألمانيا من حزب أيضا، فالرئيس دائما يأتى من حزب لكن بسبب ضعف الأحزاب الموجودة حاليا، لا يمنع أن يكون للرئيس حزب مساند له دائما.
الرئيس بالفعل لكل المصريين وله توجهات ولا مانع أن تأتى توجهاته من الحزب الذي ينتمى إليه، فالحزب يستمر في التأييد له لكنه يكون منفصلا عنه، ولا يكون رئيسه كما كان مبارك رئيسا للحزب الوطنى الديمقراطى.

من يتزعم المعارضة حاليا؟
لا يوجد من يتزعمها حاليا، المعارضة ليس لها قائد، هي مكونة من مجموعة أحزاب كل حزب له هويته، وليس هناك زعيم للمعارضة، أحزاب اليسار هي جزء من المعارضة وليست كل المعارضة يسار فقط.

ماذا عن من يتهمون المعارضة بالخيانة؟
حديث لا يدخل الدماغ في القرن الواحد والعشرين، أي نظم سياسية في العالم، لها مؤيدون ومعارضون، وأقول إن من يفصل بين الحياة السياسية والاقتصادية مخطئ، دائما نشتكى من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بالطبع لا يوجد استثمارات إلا إذا كان هناك استقرار سياسي، وهذا الاستقرار السياسي يقتضي أن يكون هناك الأغلبية والمعارضة، الحديث عن أن المعارضة خائنة وهذا التشويش يوحى للمستثمر بعدم الاستقرار في الداخل، بالتالى لا يستثمر في البلاد، الجميع يبحث عن الاستقرار السياسي.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية