رئيس التحرير
عصام كامل

الاستخفاف الدرامي عاد لمصر بإساءة بالغة


حذرنا مرارا من سوء المحتوى الدرامي والنتائج السلبية المترتبة على ابتذال وتفاهة شخصيات يجسدها أهل الفن، ويوجهون بها الرأي العام خصوصا الأجيال الجديدة التي تقلد المشاهير، لكن نتيجة تسيب وعدم مبالاة كثير من الأجهزة المعنية، وتساهل البعض الآخر في أدق تفاصيل عمله، تعدى الأذى والأثر السلبي المجتمع المصري، إلى دول أخرى لاستدرار الضحك من المتلقي بفن رخيص وكوميديا بلهاء دون أدنى اعتبار لمصلحة مصر وعلاقتها المتوترة بالأساس مع دول الجوار، فتأتي الدراما لتصب باستخفاف الزيت على النار وتسبب أزمة دبلوماسية.


غضب السودان في رمضان بالثلاثة... أولها، في ثاني أيام الشهر الفضيل حين استدعى السفير المصري في الخرطوم لتقديم احتجاج رسمي على عرض مسلسل "أبو عمر المصري"، ورأت الخارجية السودانية أن المسلسل "يلصق تهمة الإرهاب ببعض المصريين المقيمين أو الزائرين للسودان رغم عدم ثبوت تورط أي مصري مقيم بالسودان في حوادث إرهابية".. وطلبت السودان رسميا من مصر "اتخاذ قرار مناسب يضع حدا لمحاولات العبث بمصالح ومكتسبات البلدين الشقيقين".

لن نناقش مضمون مسلسل "أبو عمر المصري" المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه، لكن كان حري بفريق العمل وهو من الفنانين الجادين والمحترفين، مراعاة مصلحة البلد بتقديم معالجة درامية غير مباشرة لمحتوى الرواية وبشكل لا يسبب أزمة دبلوماسية، في وقت تقف فيه السودان مع إثيوبيا في مفاوضات "سد النهضة" ضد مصر وحقها في مياه النيل، وهي قضية حياة أو موت للشعب كله! 

قبل أن تنتهي الأزمة الدبلوماسية دخل الإعلام السوداني على خط "أبو عمر المصري" ليس دفاعا عن المصريين و"الإخوان" المقيمين هناك بل عن بلدهم، إذ صور المسلسل السودان كمركز للسلاح غير الشرعي وتدريب الإرهابيين.. وزادت الحساسية والشقاق بين السودانيين والمصريين من الصورة الهزلية التي تجسد بها الشخصية السودانية في الدراما المصرية، وهي لا تخلو من سخرية وإهانة، كأن يربط حوار يفترض أنه كوميدي في مسلسل "سك على إخواتك" بين "الماسونية والسودانية"!

ويتأجج الغضب السوداني للمرة الثالثة في رمضان من مسلسل "عزمي وأشجان"، حيث اتهمت الفنانة إيمي سمير غانم بالتمييز والعنصرية لتجسيدها دور خادمة سودانية يناديها من حولها "أم وش هباب"، واعتبر أهل السودان أن الدراما المصرية تتعمد تحقير الشخصية السودانية، داعين إلى إيقاف عرض الأعمال المسيئة لهم ومعاقبة أصحابه.

السخرية والاستهزاء من الشخصية السودانية لا كوميديا فيها، بل تنطوي على استخفاف وتعال في النظرة إلى الآخر، وكما يقول المثل "من دق الباب يلقى الجواب"، فتحت أبواب جهنم على مصر والمصريين في الإعلام السوداني و"السوشيال ميديا" ردا على ما تعرضه دراما رمضان، اكتفى القليل منهم بكلمات عقلانية هادئة، أما الكثير فرد الإهانة لمصر بأكثر منها على كافة المستويات، وامعانا في الإساءة البالغة لمصر أعادوا تداول ونشر حلقة من البرنامج السوداني "زول كافيه" تقديم محمد عويضة، أهان فيها مصر وحضارتها وجيشها وجنودها بألفاظ بذيئة، كما نعت المصريين بأبشع وأحقر الكلمات واستهزأ بكل ما نفخر به، ردا على طريقة معالجة "الإعلام المصري" للخلاف السياسي مع السودان!

"الزول" نفسه قدم حلقة الأسبوع الماضي عن الكويت لا تقل إساءة عن حلقة مصر، ردا على تقليد الفنانين حسن البلام وعبد الناصر درويش الشخصية السودانية في البرنامج الرمضاني الكوميدي "بلوك غشمرة"، ما اعتبره شعب السودان سخرية منهم، وعلى الفور انبرى عويضة شتما وطعنا بأخلاق فريق البرنامج الكويتي، واستهزأ بالكويتيات، وتحدث بسخرية لا تليق عن فترة احتلال العراق للكويت وتناول بعض القضايا الداخلية للإمارة الخليجية بشكل لا يجوز، فضلا عن السخرية من اللهجة الكويتية.. مهددا من يتجرأ ويتطاول على الشخصية السودانية في عمل درامي مرة أخرى برد صاعق!!

حقيقة لا أعرف كيف تجيز الرقابة على المصنفات الفنية التطاول على الدول الأخرى، حتى في الأعمال الكوميدية، لأنه في ظل الفضاء المفتوح لم يعد ممكنا حجب مادة درامية أو برامجية، والدول التي كانت تلتزم الصمت، باتت ترد الصاع صاعين والإهانة بأسوأ منها ولا نلومهم، لأننا البادئين "والبادي أظلم".
الجريدة الرسمية