رئيس التحرير
عصام كامل

أسواق العبيد بليبيا تشعل الغضب الدولي وتكشف عجز حكومة السراج

فيتو

تعهدت حكومة الوفاق الوطني الليبية برئاسة فايز السراج بإجراء "تحقيق" بشأن تقارير حول استغلال و"عبودية" للمهاجرين غير الشرعيين، لكن الصراعات المستفحلة داخل البلاد قد تجعل يد الحكومة المعترف بها دوليا "قصيرة".

إعلان حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي، فتح تحقيق حول ما نشر مؤخرا بشأن "العبودية" و"استغلال مهاجرين غير شرعيين"، يعيد تسليط الضوء على المآسي والأوضاع المزرية التي تحدث في ليبيا في ظل الفوضى الأمنية وغياب سلطة الدولة.

فقد أعلن نائب رئيس حكومة الوفاق أحمد معيتيق أن طرابلس فتحت تحقيقا في "العبودية" التي يعتقد أنها تجري قرب العاصمة والتي ندد بها تقرير مثير للصدمة بثته شبكة "سي إن إن" الأمريكية الأسبوع الماضي. وأعرب معيتيق في بيان نشر الأحد (19 نوفمبر) على صفحة الحكومة على موقع فيس بوك عن "استيائه من التقارير التي نشرتها وسائل الإعلام حول انتعاش تجارة الرقيق في ضواحي مدينة طرابلس". وأكد نائب رئيس حكومة الوفاق أنه "بصدد تكليف لجان مختصة للتحقيق في التقارير المنشورة لضبط المتهمين وتقديمهم للعدالة".

والتقرير الذي بثته شبكة "سي أن أن" ليس الأول ولا الأخير الذي يكشف مجددا فظاعة ما يتعرض له لاجئون ومهاجرون غير شرعيين، اضطروا إلى المجيء إلى ليبيا بسبب أوضاع بلدانهم خصوصا في جنوب الصحراء الأفريقية حيث نزاعات مسلحة وظروف مناخية صعبة وكوارث طبيعة.

فصل جديد من الفظائع
من أفظع المشاهد في تقرير "سي أن أن" يتعلق بعملية تسجيل التقط بواسطة هاتف محمول يظهر فيه شابان يعرضان للبيع في المزاد للعمل في مزرعة غير بعيدة من العاصمة طرابلس، ليوضح بعدها الصحافي معد التقرير أن كلا من الشابين بيع بمبلغ 1200 دينار ليبي أي 400 دولار.

وكانت شبكة "سي.إن.إن" الإخبارية الأمريكية قد نشرت تقريرا استقصائيا مصورا حول "أسواق العبيد" في ليبيا، كشفت فيه عن وجود أسواق لبيع وشراء المهاجرين غير الشرعيين الذين فشلوا في العبور إلى أوروبا، للعمل كعمال أو مزارعين من خلال مزاد علني. كما نشرت خريطة أظهرت من خلالها وجود تسع أسواق للعبيد في مدن مختلفة من ليبيا.

وبتزامن مع نشر تقرير "سي إن إن" ما تزال أجهزة الإغاثة في سواحل ليبيا وإيطاليا تواصل عملياتها لإنقاذ مهاجرين يجازفون بحياتهم في عرض مياه البحر الأبيض المتوسط، كما تنتشل فرق الإنقاذ الإيطالية والأوروبية بشكل متواصل جثث مهاجرين قضوا غرقا.

وبحسب أحدث إحصاءات لمنظمة الهجرة الدولية، فقد وصل نحو 156 ألف مهاجر ولاجئ إلى أوروبا عبر البحر منذ يناير (مقابل نحو 341 ألفا وصلوا خلال الفترة ذاتها عام 2016)، 73 بالمائة منهم إلى إيطاليا. وقضى نحو 3000 شخص أثناء محاولتهم العبور.

وقبل بضعة شهور نشرت منظمة الهجرة الدولية تقريرا عن أوضاع مرعبة يعيش في ظلها مهاجرون غير شرعيين بمناطق مختلفة في ليبيا.

غضب دولي
ردود الفعل الغاضبة داخل ليبيا وخارجها تبرز أن المجتمع الدولي ضاق ذرعا بالانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها المهاجرون غير الشرعيين في ليبيا. فقد تظاهر نحو ألف شخص في باريس السبت للتنديد بالوضع، وفقا لما أعلنت شرطة العاصمة الفرنسية. وشارك في التظاهرة العديد من الشخصيات كالفكاهي عمر سي، ولاعب كرة القدم ديدييه دروغبا، وملكة جمال فرنسا السابقة صونيا رولان.

وكتب سي في تغريدة على تويتر "لنتضامن ولنكن على الموعد للاحتجاج ضد التعذيب والعنف".

وكان الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي الرئيس الغيني ألفا كوندي قد ندد بأعمال "بيع" المهاجرين الذين يتم استعبادهم، وكذلك فعلت الحكومة السنغالية، والرئيس النيجري محمد يوسوفو الذي طلب إدراج الموضوع على جدول أعمال قمة الاتحاد الأفريقي التي تنعقد في ابيدجان في 29 و30 نوفمبر.

تعقيدات الأوضاع في ليبيا

لكن وزارة الخارجية الليبية التابعة لحكومة الوفاق الوطني، التي أدانت بشدة "استغلال المهاجرين" أكدت في الوقت ذاته أن ليبيا "تعي جيدا استهدافها من قبل بعض الأطراف الإقليمية لجعلها قبلة لاحتضان وتوطين المهاجرين". وحذرت مما وصفته بـ "المعالجات الدولية السطحية والعقيمة" لقضية الهجرة غير الشرعية "هو ما يعيق جهودها في الحد من هذه الظاهرة ويفتح المجال لعصابات الجريمة المنظمة لممارسة أنشطتها الإجرامية".

وجددت الوزارة دعوتها للمجتمع الدولي إلى التكاتف بروح من المسئولية "لمساعدة ليبيا في مواجهتها لهذا الخطر الداهم على نسيجها وتراثها الاجتماعي والثقافي وعلى الإنسانية جمعاء وذلك بتبني المعالجة الفعالة لأسباب الهجرة بدلا من استغلال مثل هذه الأحداث المؤسفة للزج باسم ليبيا من قبل بعض الأطراف من أجل التغطية على عجزهم عن التعاطي مع هذه الظاهرة".

وتحمل إشارات وزارة الخارجية الليبية إلى تعقيدات هذا الملف في ليبيا، الأمر الذي يلقي بظلال من الشكوك حول قدرة سلطات طرابلس على الوفاء بتعهداتها في وضع نهاية لمآسي اللاجئين والمهاجرين، خصوصا أن بعضها يحدث في مناطق لا تخضع لنفوذها.

فسلطة الدولة شبه غائبة على مناطق عديدة من البلاد، وبينما تسيطر مليشيات قريبة من حكومة طرابلس على مناطق بغرب البلاد، يبسط الجنرال المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود قوات "الجيش الوطني" على شرق البلاد ويدعم حكومة طبرق التي لا يعترف بها المجتمع الدولي. ويتبادل الطرفان المسئولية عن الانفلات الأمني والعجز في مواجهة شبكات تهريب البشر عبر البحر الأبيض المتوسط واستغلال المهاجرين بمناطق مختلفة من البلاد. وتفيد تقارير منظمات غير حكومية بأن ميليشيات ليبية قد تكون ضالعة في عمليات الاتجار بالبشر واستغلالهم.

وتساهم هذه الأوضاع المعقدة في جعل مهمة ضبط الأمن في السواحل الليبية مهمة شاقة، وتلقي بمزيد من الضغوط على صانعي القرار في العواصم الأوروبية الذين يبحثون بشكل محموم عن حل لأزمة اللاجئين التي تحولت في معظم الدول الأوروبية إلى مشكلات سياسية داخلية.

وفي غضون ذلك تواصل الأمم المتحدة مساعيها من أجل التوصل إلى تسوية للصراع على السلطة، وبعد خمسة أشهر على تسلمه منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، شدد غسان سلامة أول من أمس في مقابلة مع وكالة فرانس برس على أن مستقبل هذا البلد يمر عبر مؤسساته.

وقال سلامة إن "الكلمة الرئيسية لنهجي هي المؤسسات". لكنه اعتبر في الوقت نفسه أن "من الغباء الاعتقاد بأنه يمكن في سنة أو سنتين أو ثلاث" أن تلتئم "كل الجراح" في البلاد، مشددا على أن ذلك "يتطلب من دون شك جيلا" بأكمله.

م.س

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية