رئيس التحرير
عصام كامل

«التركمان والدواعش.. سنوات القتل والتهجير».. شهود عيان يروون لـ«مرصد الأزهر» جرائم داعش في «تلعفر» العراقية.. عناصر التنظيم الإرهابي تعاملوا بوحشية.. وتعمدوا إيذاء المدني

الازهر
الازهر

تثبت شهادات المدنيين العراقيين الناجين من جحيم «داعش»، بما لا يدع مجالًا للشك، أن الإسلام برئ من الأفعال الإجرامية التي كان يقترفها أفراد هذا التنظيم الإرهابي في حق آلاف الأبرياء، فأي آية قرآنية أو أي حديث نبوي يأمر بخطف الأبناء من آبائهم وأمهاتهم ثم تعذيبهم حتى الموت، وأي آية قرآنية أو أي حديث نبوي يأمر بترويع الآمنين وإشاعة الفوضى والدمار في القرى والمدن الآمنة.


التقرير الذي أعدته وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، نقل شهادات حية بثتها شبكة الـ«BBC» التركية، لأشخاص من «التركمان» عانوا على مدار شهور طويلة من شتى أنواع التنكيل والإهانة والعذاب، حيث يصف هؤلاء في شهاداتهم كيف كان أفراد التنظيم الإرهابي يتعاملون مع المدنيين العزل بوحشية لم تقرها أديان أو ترضاها طبائع بشرية، كاشفين عن جنسيات أفراد التنظيم، وغير ذلك من التفاصيل المهمة.

الفرار من الوطن
في 2014، سيطر تنظيم «داعش» الإرهابي، على مدينة «تلعفر» العراقية، وهو الأمر الذي أجبر «تركمان العراق» الذين كانوا يقطنون المدينة، على الفرار من موطنهم هربًا من القتل والتعذيب على أيدى أفراد التنظيم الإرهابي، بينما تمسك البعض الآخر بالبقاء أملًا في انقشاع سحابة التنظيم الإرهابي السوداء وتحرير المدينة في وقت قريب، وهؤلاء ذاقوا شتى أنواع التنكيل والإهانة والعذاب.

ولم يجد الفارون من جحيم التنظيم الإرهابي أماكن يعيشون بها سوى معسكرات الإيواء الموجودة في أماكن مختلفة بالعراق، ومن بينها معسكر «يحياوة» شرق مدينة «كركوك» والذي أقامته إدارة الكوارث والطوارئ التركية، ورئاسة الوكالة التركية للتعاون والتنسيق، والهلال الأحمر التركي، بالتعاون مع تركمان العراق، والتركمان الذين أتوا إلى هذا المعسكر في أوقات مختلفة هم «التركمان السنة»، وذلك وفقًا لما ذكرته شبكة الـ «BBC» التركية، التي أجرت حوارات مع بعض سكان هذا المعسكر.

وتعد عائلة «رافي قصب أوغلي» -التي كانت تسكن بمنطقة «عياضية» محل إقامة التركمان- من أولى العائلات التي قررت الهروب من مدينة «تلعفر»، عقب خمسة عشر يومًا من دخول تنظيم «داعش» لها، وذلك بعد أن أيقنوا أن عناصر التنظيم الإرهابي سيتعرضون بالإيذاء لكل أبناء المدينة الأصليين.

شهود عيان
يقول «رافي» رب الأسرة: «لقد خِفتُ من أن يصيبني أو أحد من أسرتي مكروه، وخفت من أن يقبضوا علينا ويذبحوننا؛ فلقد كانوا يقبضون على الرجال ويذبحونهم، لذلك ظللت خمسة عشر يومًا لا أخرج من المنزل، ولقد كانوا يذبحون العائلات التي يوجد بين أفرادها تابعون للجيش، ونحن في عائلتنا من ينتسبون إلى الجيش، فهم يقتلون أي شخص له علاقة بالجيش حتى وإن كان اتصال تليفوني».

وتصف زوجته «نهلة قصب أوغلو»، لحظات الهروب من مدينة «تلعفر»، بحثًا عن النجاة من جحيم «داعش»، قائلًة: «حاولنا الخروج نهارًا ولم نستطيع، لذلك هربنا ليلًا بمساعدة أحد أقاربنا».

وأضاف الزوجان، أن عدد كبير من الناس كانوا يتعرضون للظلم بعد سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي على مدينة «تلعفر»، لكن معظمهم لم يكن لديهم نقود تمكنه من النجاة بنفسه وأهله، وبعضهم كان مريضًا لذلك لم يستطيع الهرب، وظل هؤلاء يعانون يتلقون العذاب على أيدي أفراد هذا التنظيم الإرهابي.

ومن «التركمان»، الذين لم يتمكنوا من الهرب وظلوا يعانون شتى صنوف العذاب في قرية «أفجني» التابعة لمنطقة «عياضية» بمدينة «تلعفر»، عائلة «رايكان قصب أوغلو» والتي يعتبر أفرادها شهود عيان على حكم «داعش» للمدينة.

تعامل بوحشية
ويسرد «رايكان» -رب الأسرة- المعاناة التي تكبدوها في ظل حكم «داعش» للمدينة: «كنا نعيش في قرية أفجني، التابعة لـ"عياضية"، وعندما دخلت داعش المنطقة هرب الجميع، وبقى الدواعش فقط.. كان الدواعش من جميع الأعراق والجنسيات فمن بينهم عرب وأجانب وتركمان أيضًا، وفي اليوم الذي فُرغت فيها قرية أفجني من سكانها، خرجنا إلى مدينة تلعفر، وبعد أن مكثنا ليلة بها، خرجنا إلى مدينة الموصل، وهناك مكثنا أربعة أيام فقط، وفي كل مكان من هذه الأماكن كان تنظيم داعش يتعامل بوحشية، ويتعمدون إيذاء الجميع، ولأننا من عياضية، فلم يعرفنا أحد في الموصل، وكنا طوال الأربعة أيام التي قضيناها هناك دائمًا في المنزل ولا نخرج منه قط، ولم يكن لدينا أي عمل، وعندما لم نستطع أن ندفع إيجار المنزل الذي كنا نقيم فيه عدنا مرة أخرى إلى تلعفر، التي كان لي فيها ابنة خالة، أقمنا عندها».

«رايكان»، يتطرق في شهادته على سنوات التنظيم الإرهابي بمدينة «تلعفر»، إلى مأساة أخرى كانت أشد ألمًا من الشتات الذي عاناه وأسرته في محاولات فاشلة للهروب من جحيم «داعش»، وهى واقعة مقتل شقيقته على أيدي عناصر التنظيم الإرهابي: «لقد اتُهمنا بأن لدينا هاتف محمول نتجسس به لصالح الحكومة، فجاءت إلينا مجموعة من الدواعش، وسألوني أولًا عن اسمي، فقلت: "ريكان"، ثم جمعوا منا بطاقاتنا الشخصية، وكان جميعهم يرتدي أقنعة، ثم بعد ذلك ردوا إلينا البطاقات مرة أخرى، وسألونا هل معكم هواتف؟ فقلنا: لا.. فقاموا بتفتيشنا وحين عثروا بحوذتنا على أربعة هواتف، وضعوا على رأسي كيس أسود، وغطوا وجه أختي أيضًا، وأخذوا كل واحد منا في سيارة مختلفة».

دموع الأبرياء
دموع والدي «رايكان» تسيل بغزارة، وهو يتابع سرد مأساة مقتل شقيقته على يد أفراد التنظيم الإرهابي: «عذبوني كثيرًا في المكان الذي أخذوني إليه، ثم تركوني وبقيت أختي معهم، وبعد أربعة عشر يومًا طلبوا منا الذهاب إليهم لأخذ جثتها، وبالفعل ذهبت ووجدت أختي مقتولة برصاصتين في رأسها، وبدا على جسدها أثار التعذيب، وآثرت عدم نقل جثة أختي إلى البيت، لأن أمي لن تستطيع رؤيتها في هذه الحالة، ولو رأتها فستصاب بالجنون، لذلك أخذت الجثة ودفنتها».

تتعالى صيحات «رايكان»، وأنهار دموع تفيض من أعين والديه، وهو يقول: «أنا أعرف من فتنوا علينا وأوشوا بنا، وأعرفوا من أعدموا أختي ومن عذبوني.. أعرفهم جميعًا.. إنهم إرهابيون دواعش من "تلعفر" ومن "عياضية" ومن قرية "أفجني"؛ فالذين فتنوا علينا من أفجني، والذين قتلوا أختي وعذبوني من تلعفر».

ومن دموع أسرة «رايكان»، إلى الآلام «شكيب قصب أوغلى» أحد سكان معسكر «يحياوه»، الذي يقول: «الدواعش الذين كانوا في الموصل وتلعفر، أتوا من بلاد مختلفة، فمنهم الأمريكي والتركي والسعودي والأذربيجاني، وكان من بينهم عراقيون أيضًا، وجميعهم كانوا يقتلون في السكان باستخدام أبشع الطرق والوسائل.. كانوا يقتلون طعنًا ورجمًا، وفي إحدى المرات رجموا رجلًا وسيدة تدعى "مروة" متهمين إياهما بجريمة الزنا، وكانوا يجبرون الناس على مشاهدتهم أثناء ارتكابهم أعمال القتل، ويحرضون الأطفال على الانضمام إليهم، قائلين لهم: انضموا إلينا كي تدخلوا الجنة، كما كانوا يُجبرون الرجال على إطلاق اللحية وتقصير الثياب».

استقطاب الأطفال
هذه بعض الشهادات الحية التي سردها «تركمان» شاهدوا بأعينهم الأعمال الوحشية والجرائم التي دأب أفراد تنظيم «داعش» على ارتكابها في حق المدنين الأبرياء، وهى أعمال إجرامية لا يقبلها عرف ولا يقرها دين، وتنم عن فهم خاطئ لصحيح الدين ورحمة الإسلام الذي كتب الإحسان على كل شيئ، فأي آية قرآنية أو أي حديث نبوي يأمر شخص بتعذيب شخص آخر، وأي أية قرآنية أو حديث نبوي يأمر بخطف الأبناء من أبائهم وأمهاتهم ثم تعذيبهم حتى الموت، تعالى الإسلام عن ذلك علوًا كبيرًا.

ولقد قمنا قبل ذلك في مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، برصد أحداث مشابهة لما يحكيه «التركمان» الآن، وخاصة عملية استقطاب الأطفال عن طريق الترغيب والترهيب، وربط دخول الجنة بالانضمام إليهم، وكذلك قتل أفراد هذا التنظيم الإرهابي الناس بحجة تطبيق الحدود، واستخدامهم هذه الحجة في استقطاب الشباب، وفي إنشودة بثها هذا التنظيم للشباب التركي شجعهم على الانضمام إليه بحجة أنهم يطبقون الحدود، ويقيمون شرع الله في دولتهم المزعومة، ولقد حذر المرصد كثيرًا من مثل هذه الدعاية الكاذبة والضالة لهذا التنظيم الإرهابي والتي تستهدف في المقام الأول الشباب المسلم، لأنهم يعرفون أن الشباب هم عماد هذه الأمة، وسبب قوتها.
الجريدة الرسمية