رئيس التحرير
عصام كامل

د. سمير غطاس في ذكرى مئوية «وعد بلفور» المشئوم: العرب أضاعوا فرصة نسف إسرائيل

فيتو

  • العرب غير قادرين على مجاراة التقدم التكنولوجي والعسكري الهائل لإسرائيل
  • الوضع العربي الحالي لا يمكن أن ينتج إلا مزيدا من التخلف والتأخر
يرى سمير غطاس رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات السياسية أن وعد بلفور كان وعد من لا يملك لمن يستحق، لكنه يؤكد أن الوعد المشبوه لم يكن أبدا سببا من أسباب زيادة وانتشار المستوطنات الصهيونية في فلسطين، مشيرا في حوار لـ "فيتو" بمناسبة الذكرى السنوية لوعد بلفور إلى أن الحركة الصهيونية نجحت في بناء تحالفات دولية قوية مكنتها من فرض الأمر الواقع في القدس وفى غيرها من المدن الفلسطينية.


غطاس أكد أن العرب أضاعوا فرصة تاريخية لنسف وعد بلفور ولم ينجحوا في إقامة علاقات مع القوى العظمى تمكنهم من استرداد ما سلبته إسرائيل من أراض.. وإلى نص الحوار:


* في البداية، كيف أثر وعد بلفور في منطقة الشرق الأوسط وفلسطين؟
الدور الذي لعبه وعد بلفور في بناء وطن إسرائيل مبالغ فيه، بالفعل بريطانيا كانت حينها دولة عظمى، ولكن ليس بالوعود وحدها تخاطب الدول، هناك أسباب أخرى ساعدت في إنشاء دولة إسرائيل منها أن الحركة الصهيونية نفسها نجحت في حشد اليهود في الخارج، للاستفادة من الوضع الدولي، ونظمت تحركات تساعدها في بناء الدولة، والأغرب أن العرب جاءتهم فرصة للتخلص من الوعد وأضاعوها.

* كيف ضيع العرب فرصة التخلص من بلفور؟
رغم أن بريطانيا لم يكن لها الحق في إطلاق "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، إلا أنها سهلت للحركة الصهيونية تأسيس الدولة الإسرائيلية، لأنها كانت دولة عظمى في ذلك الوقت، كما أنها كانت الدولة المنتدبة على فلسطين، ولكن في مرحلة من المراحل، عندما كانت بريطانيا تنوي الدخول في الحرب العالمية الثانية، حاولت أن تهدئ مستعمراتها وخاصة في الهند والشرق الأوسط، لذلك أصدرت كتاب "ماكسمينس" وقالت فيه أن حكومة جلالة الملكة لم تقصد عند إصدار وعد بلفور، إقامة وطن قومي لليهود، كما تضمن الكتاب بندين آخرين كان من الممكن أن ينسفا مشروع إقامة دولة إسرائيل نهائيا، وهما تحديد عدد اليهود القادمين من الخارج، ومنع بيع أراضي فلسطين للحركة الصهيونية، لكن القيادة الفلسطينية في ذلك الوقت، المتمثلة في الحاج "أمين الحسين" مفتي فلسطين وزعيمها السياسي رفضوا هذا الكتاب، ودعوا لإقامة دولة فلسطينية وليس يهودية.

* كيف تطور الوعد بإنشاء دولة فلسطينية وإسرائيلية؟
الدول العربية والقيادة الفلسطينية كانوا يراهنون على بريطانيا، وقدرتها على حل القضية، رغم ضعف قواها العالمية أمام الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية، وفي عام 1946 عقد مؤتمر في القاهرة، وحضره "مستر بيفن" وزير خارجية بريطانيا آنذاك، طالبه زعماء العرب بإيقاف الحركة الصهيونية، رد عليهم قائلا "الصهاينة تركونا وتحالفوا مع الولايات المتحدة الأمريكية"، فرد العرب قائلين "احنا متمسكين بالدور البريطاني"، بريطانيا كانت تنوي الانسحاب من القضية نهائيا، فقال لهم إنه سيحيل القضية للأمم المتحدة، وبالفعل أحالها للأمم المتحدة سنة 1946/ 1947 وانتهى الأمر بالتصويت على قرار 181 لسنة 1947 الذي قضى بتقسيم فلسطين لدولتين دولة يهودية وعربية.

قوبل القرار برفض عربي وموافقة إسرائيل، وفقا لهذا القرار المفترض أن تكون مساحة إسرائيل 56.4%، ورغم رفض العرب باعتبار أنهم يملكون فلسطين بأكملها وقبول الصهاينة، الإ أن إسرائيل تمكنت من التوسع أكثر بعد حرب 1948 ثم توسعت أكثر عام 1964، والآن لم يبق من فلسطين سوى 22% المفروض تقام عليها الدولة الفلسطينية حتى الحركة الصهيونية لم تتركها وتريد نزعها.

* كيف تنظر للموقف العربي الآن اتجاه إسرائيل بعد 71 سنة من رفض إقامة الوطن الصهيوني؟
بعد الرفض الرسمي المطلق لقرار 181 لقيام دولة إسرائيل عام 1947، اليوم يوجد اتجاه ودعوة عامة لتوسيع السلام مع إسرائيل، العرب انقلبوا 180 درجة، بعد تعنتهم التام في إقامة وطن إسرائيلي في الشرق الأوسط وشن حرب على ذلك عام 1947، اليوم توجد دعوات رسمية من كل الدول العربية وعلي رأسها مصر، لتوسيع السلام مع إسرائيل علنا بعد أن كان ذلك يتم تحت الطاولة.

* ما سبب هذا التغير الجذري؟
للأسف العرب الآن غير قادرين على مجاراة أو منافسة إسرائيل فيما وصلت إليه من تقدم تكنولوجي وعسكري هائل، إسرائيل ثاني دولة تكنولوجيا في العالم، رئيس وزراء الهند في زيارة لإسرائيل منذ شهرين تقريبا قال جئت للتعلم من إسرائيل، رغم أن دولته تعد ضمن القوى الاقتصادية الخمسة في العالم، وثالث قوي تكنولوجيا عالميا، ومقولة "نتنياهو" الهند وإسرائيل مغيري وجه العالم لم تأت من فراغ، السبب الثاني أن إسرائيل نجحت في كسب الود العالمي.

* كيف استطاعت إسرائيل تملك العالم في صالحها؟
إسرائيل لها نفوذ قوي نتيجة غيابنا نحن عن المشهد تماما، الحركة الصهيونية استطاعت بناء ذاتها، ثم تحالفاتها التي تغيرت حسب موازين القوى العالمية، كانت متحالفة مع بريطانيا ورفضت التحالف مع فرنسا في ذلك الحين، لأن بريطانيا ستستطيع تحقيق مشروعها، ثم انقلبت على تحالفها مع بريطانيا وتحالفت مع الولايات المتحدة الأمريكية بعدما أصبحت هي الأقوى، إسرائيل تعيش بسياسة بناء التحالف والمصالح مع الأقوى.

* ما تفسيرك لمنع بريطانيا بعض المواطنين من لصق إعلانات مناهضة لوعد بلفور في ذكراه 100؟
تأثير نفوذ إسرائيل القوى جدا على العالم وخاصة في بريطانيا، ونحن لم نستطع مجاراة ذلك على كافة المستويات، نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي العام الماضي على منصة الأمم المتحدة، قال إنه يرى تطورا الآن من الأمم المتحدة أقل كراهية لإسرائيل، وعندما زار أفريقيا جاء رؤساء 4 دول لرؤيته، وتم تأجيل مؤتمر لكل دول أفريقيا.

إسرائيل الدولة الصغيرة لها نفوذ في أفريقيا كلها أكثر من العرب، نفوذهم في بريطانيا ليس بسبب حب الإنجليز لإسرائيل ولكن بسبب نجاح إسرائيل وفشل العرب، ما معني نشر إعلانات مناهضة، غير أنها من الممكن أن يكون تأثيرها لحظي، بناء علاقات مع السياسة البريطانية، هي وحدها القادر على تغيير نظرة بريطانيا للعرب وإسرائيل، ونحن لا نملك علاقة سوي بنقابات تلك الدول والأحزاب والبرلمان البريطاني.

* هل لعب وعد بلفور دورا في زيادة المستوطنات الصهيونية والاعتداء على الأقصى؟
وعد بلفور بريء من كل ذلك، بريطانيا نفسها فقدت سطوتها، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي المسيطرة على السياسة العالمية، ما بني إسرائيل ليس وعد بلفور ولكن الحركة الصهيونية وتحركاتها الدولية، إسرائيل في فترة من الفترات شنت حرب عصابات على بريطانيا وقتلت الإنجليز، وعد بلفور ساهم في بناء دولة إسرائيل ولكنه ليس السبب الأساسي والأول.

* لماذا يعد وعد بلفور بعبع العرب رغم أنه يعتبر ملغي ومعدل من محاكم دولية؟
العرب يستخدمون وعد بلفور كشماعة لتعليق فشلهم في نسفه عندما جاءتهم الفرصة، وخاصة أن العهد قوبل بنشاط الحركة الصهيونية وتخاذل عربي عن إحباط هذا العهد ومنع تصديقه، لو كان العرب جادين من البداية لتمكنوا من إفشال هذا التعهد، كما ذكرت سابقا.

* ما مفهوم اعتراف مجلس الأمن بفلسطين كدولة مراقب؟
تقدم "أبو مازن" الرئيس الفلسطيني بطلب 3 مرات لمجلس الأمن للاعتراف بأن فلسطين دولة تحت الاحتلال، وفي كل مرة كانت الولايات المتحدة تحبط المحاولة، ففي آخر محاولة نجح التصويت بفرق صوت ولكن الولايات المتحدة، اشترت صوت نيجريا لإفشاله، فتوجه أبو مازن بالطلب للجمعية العامة للأمم المتحدة فصوت الأغلبية لصالح دولة فلسطين باعتبارها دولة مراقب أي دولة تحت التأسيس.

وبموجب هذا المصطلح حصلت فلسطين على حقوق كثيرة منها الانضمام لنحو 54 مؤسسة دولية، أهمهم المحكمة الدولية والانتربول، لم يكن ذلك متاحا لها قبل الحصول على القرار، تلك الخطوة ليس هي طموح العرب ولا الفلسطينيين، ولم تكن بديلا على أن تكون دولة فلسطين مستقلة على حدود الـ67 وعاصمتها القدس، ولكنها كانت خطوة هامة جدا وضعت الفلسطينيين في مرتبة جيدة.

اشتكت إسرائيل من هذا القرار، حماس وكافة الفصائل الشعبية والديمقراطية استهونت به، واليوم يطالبون أبو مازن بالذهاب للمحكمة الدولية ومواجهة إسرائيل بأنها ترتكب جرائم حرب، وبناءً عليه اتجه "أبو مازن" لتدويل القضية الفلسطينية، ولكن انقطع الطريق عليه، ووعده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن لديه مشروعا جديدا وحتى الآن لم يقل ما هو.

* كيف تنظر للقضية ومن أين سيأتي الأمل؟
ما يبحث عنه العرب الآن هو الحل الإقليمي بالتطبيع مع إسرائيل، وإعطاء الفلسطينيين رقعة لإقامة شبه دولة، والعرب موافقون على هذا المشروع ويسعون إليه، وهو ما يعني مزيدا من التدهور، فالوضع العربي الحالي لا يمكن أن ينتج إلا مزيدا من التخلف والتأخر.

الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"..
الجريدة الرسمية