رئيس التحرير
عصام كامل

مصطفى عنز يكتب: نفيسة الأعمال الخيرية

مصطفى عنز
مصطفى عنز
18 حجم الخط

«أنا وهبت نفسى لخدمة سيدى في تعليم كلامه» كانت هذه هي الجملة التي اقتحمت عقلى وثبتت في قلبى بعدما سمعتها من الحاجة «نفيسة أحمد محبوب» صاحبة البر والعطاء، التي يجهلها أهل الأرض ويعرفها أهل السماء.



ربما لا يعرف الكثيرون هذه السيدة الفاضلة ذات الـ70 عامًا، التي كرست حياتها على مدى 50 عامًا من أجل خدمة الفقراء والمحتاجين والأيتام والأرامل وأبناء السبيل وطلاب العلم وغيرهم، إلى وقتنا هذا دون تعب أو ملل من هذه الأعمال الشاقة التي لا يتحملها الكهول.


تلك المرأة الصالحة التي أشعر بأنها بإذن الله ستكون سيدة من سيدات أهل الجنة، كونها لم تدخر جهدًا في تقديم الغالى والنفيس في خدمة الفقراء والمحتاجين من شتى الأنحاء والأرجاء، بالرغم من تقدمها في السن، واحتياجها إلى المزيد من الراحة.


أثرت الحاجة نفيسة العمل الخيرى بمدينة بيلا، التابعة لمحافظة كفر الشيخ، كونها السيدة الأولى التي تقوم بهذا العمل في المحافظة كلها، لتأكد أن النجاح والتألق ليس مقصورًا على الرجال فقط، وخصوصًا في العمل الخيرى، فلقد ذاع صيتها في مدينتها ولكن لم يعرفها أحد، حيث كانت تحاول دائمًا الابتعاد عن الظهور خوفًا من الرياء والشهرة، ولذلك فقد اكتسبت شهرة واسعة هي لم تبغيها أو تريدها.


فهى سيدة نفيسة في هذا العصر كاسمها الذي بات يتردد قليلًا في هذا الزمان، هي كالمعدن النفيس، نادرة كالإخلاص والصدق، كما أنها بارة كريمة ورعة، لم تتزوج ولم تنجب ذكرًا أو أنثى ولكنها أنجبت الحكمة والموعظة الحسنة، باتت أمًا لكل الأيتام الذين ينادونها بـ«ماما نفيسة».


تجمعنى بهذه السيدة علاقة قوية طيبة، فأقوم بزياراتها دائمًا كى استشيرها في معظم أمورى الشخصية لما لديها من الحكمة والفطانة وحسن السياسة والذكاء والقوة، ودائمًا ما تفيدنى وتخفف عن كهلى كثرة التفكير في دقائق قليلة، بابتسامتها الهادئة واتزانها ووقارها المشهود، كما أنها تتحدث معى أيضًا في معظم الأمور وتسرد لى معظم قصصها منذ بدايتها في العمل الخيرى، إلى حفظها القرآن وتعليمه لمن حولها، وذلك بعد أن قامت بتحفيظ القرآن الكريم لمعظم أطفال ونساء مدينة بيلا، وحاربت فيهم الجهل والأمية بنور الذكر الحكيم.


ومن الحكايات الشيقة التي تكشف كثيرًا من شخصية الحاجة «نفيسة محبوب» التي لم ترغب في الشهرة أو معرفة أهل الأرض بها، أنها قد وجهت إليها دعوة من أجل مقابلة سيدة مصر الأولى السابقة سوزان مبارك، لتكريمها نظرًا لثمرة الحب والاحترام التي تحظى بها بين أبناء مدينتها، ولكنها رفضت ذلك في بكاء خوفًا من أن يكون في ذلك رياء يجعل ماصنعته على مدى أعوام عديدة هباءً منثورًا !!


ولكنها رحبت بمقابلة فضيلة الشيخ الراحل محمد متولى الشعراوى، الذي أثنى عليها، وشجعها على مواصلة مشوارها في العمل الخيرى وتعليم القرآن الكريم خاصة للنساء والأطفال، وأوصاها بضرورة القراءة الصحيحة حتى يصل المعنى إلى عقول المتعلمين.


ومن النوادر التي حدثت مع الحاجة «نفيسة»، وسردتها لى، أنها تنبئت بتوبة الفنانة الكبيرة شادية في عز مجدها، وشعرت أن الله عز وجل سيقوم بهدايتها وإنارة الطريق الصحيح لها، وأظنّ أن حسن ظنّها كان في محلّه.


تحاول الحاجة «نفيسة» من الآن أن يكون لها خلفاء في العمل الخيرى خوفًا من ضياع هذا الصرح الكبير الذي قامت قامت ببنائه على مدار سنوات عدة، كما أنها تشجع الجميع على فعل الخيرات والبعد عن المنكرات، وتعرف من حولها بكيفية حسن الإدارة، وفنون التعامل مع الآخرين.


وبهذه الشخصيات العظيمة يظل العمل الخيرى هو الشق المنير في حياة البشرية، التي تجعل الأمل في الإنسانية بصورة أكثر إشراقًا رغم كل المصاعب والمشكلات والكوارث، ولكن نحتاج إلى الكثير من أمثال المرأة الصالحة الحاجة «نفيسة محبوب»، التي ما زالت تعمل في صمت إلى يومنا هذا، أطال الله في عمر حضرتها ... قولوا آمين !!
الجريدة الرسمية