صالح جودت يكتب: موتوا أيها الشعراء
في مجلة الكواكب عام 1949 كتب الشاعر صالح جودت مقالا يعتب فيه على المطربين من عدم الإقبال على غناء قصائد الشعر إلا قليلا.. فكتب يقول:
غنى محمد عبد الوهاب للمرحوم على محمود طه قصيدة الجندول، ثم ليالى كليوباترا، ثم غنى له بعد وفاته «فلسطين» ثم تركه إلى الأبد.
وغنى لعزيز أباظة قصيدة واحدة هي «الهمسات» وغنى لكامل الشناوى قصيدة واحدة هي «الخطايا» ولعله غنى لرامى في مطلع حياته الفنية أغنية أو اثنين من قصار القصائد.. هذا هو كل نصيب الشعر المصرى الحديث من صوت عبد الوهاب.
أما فيما عدا ذلك فقد صنع نفس ما صنعت أم كلثوم من الاحتفاء بشعر الراحلين والسطو على الشوقيات وزاد عليها التنكر للشعر المصرى وللشعراء المصريين والاعتماد على ما يلهف من شعر إخواننا في المشرق كبشارة الخورى وفى المغرب كإيليا أبو ماضى.
وصديقنا فريد الأطرش لعله هو الآخر أقل الثلاثة حفاوة بالشعر والشعراء ولا أذكر أنه غنى في حياته الفنية الطويلة قصيدة لشاعر مصرى فيما عدا تلك الأغنية القصيرة "يا زهرة في خيالى" لكاتب هذه السطور.
والشادية الحلوة.. ليلى مراد.. لم يصدر عن حنجرتها شعر بالمرة.. لكل هؤلاء وغيرهم من المطربين والمطربات إن كان عندنا مطربون ومطربات لا يجد الشعر المصرى الحديث سبيلا إلى حلوقهم ولا مكانا في نفوسهم.. لماذا؟
لأنه لم يعد في مصر شعراء ؟ معاذ الله.. ففى مصر شعراء وشعراء ملهمون.
أم لأن الشعر المصرى لا يصلح للغناء.. معاذ الله.. مرة أخرى فالروح المصرية غنائية بطبيعتها وشعراء مصر يسيلون رقة وعذوبة وعاطفة وموسيقى.
أم لأن الجمهور لا يحب الشعر ولا يفهمه من أفواه المغنين؟ معاذ الله مرة ثالثة.. فإن عبد الوهاب لم يصعد إلى الأوج كما صعد في أغنية الجندول وأم كلثوم لم تصعد إلى الأوج كما صعدت في قصائد شوقى.
بل إن رجل الشارع الأمى حافى القدمين يعشق الهمزية ونهج البردة وسلوا قلبى، ويرددها كلمة كلمة ويجعلها في الطليعة من أغنيات هذا الجيل.. إذن فما الحكاية؟
أهى أنه لا كرامة لنبى في قومه؟ أم أن على الشعراء الأحياء أن ينتظروا إلى أن يموتوا ويومئذ يحتفى المغنون بشعرهم كما فعلوا مع شوقى وحافظ وعلى محمود طه؟
لقد سمعت أن عبد الوهاب مشغول في هذه الأيام بتلحين قصيدة للمرحوم الدكتور إبراهيم ناجى، وشعر ناجى زاخرا بالموسيقى وأنى أعلم علم اليقين أنه طالما عرض الكثير من روائعه على عبد الوهاب فلم يلق منه غير التسويف.
وعاش ناجى إلى أن مات لم يغن له أحد شيئا، فلما مات بدأ شعره يظفر بعناية عبد الوهاب.. بشرة خير.. موتوا أيها الشعراء.
