بالفيديو..«الشقا بيطول العمر».. حكاية كفاح «أم إسلام» من قنا إلى القاهرة.. رحل زوجها المريض.. تنفق على 5 أبناء من «فرش خضار».. وحلمها «تموت مستورة»
وحده الأمل الممزوج بالإرادة يصنع من العدم صروحًا من النجاحات؛ وهى إحدى السيدات اللاتي زرعن الرضا في قلوبهن وسقينه بكلمات الحمد ليقهرا واقعًا اجتماعيًا دفعهن إلى تحمل مسئولية الإنفاق على أسر فقدت عائلها الوحيد.. «أم إسلام» سيدة تبلغ من العمر 55 عامًا قضت أكثر سنوات عمرها في العمل بيدها لكسب قوت أبنائها الخمسة وزوجها المريض دون أن تشكو أو تضج من شقاء أو تعب فهى كما تقول: «العمل بركة.. والشقاء بيطول العمر».
«أم إسلام»؛ جاءت بصحبة زوجها إلى القاهرة منذ 35 عامًا، قادمين من محافظة قنا؛ مسلحين بأمل أن يُفتح لهما باب رزق أبى إلا وأن يغلق في وجهيهما على أرض صعيد مصر.. موطنهم الأصلي؛ وإصرار أن يصنعا في مدينة الألف مئذنة مستقبل رأينه بلا معالم في مسقط رأسيهما.
حوش قدم
عندما وطأت أقدام الزوجين قاهرة المعز؛ اتخذا من منزل متواضع داخل حارة حوش قدم بمنطقة الغورية مسكنًا لهما؛ ولأن الزوج كان يعمل قبل مجيئهما إلى العاصمة في مجال المعمار «أرزقي على بابا الله.. بيشيل أسمنت وزلط» - حسب وصف الزوجة – فلم يفكرا كثيرا حين قررا أن يفتحا بتحويشة العمر القليلة محلًا لبيع مواد البناء.
«أم إسلام»؛ وزوجها استمرا سنوات في بيع مواد البناء وكانت أحوالهما الاقتصادية تتحسن من يوم لآخر وتوسعت التجارة ليضاف إليها بيع الأسمنت؛ وهو ما جعلهما يظنان أن أيام الشقاء ذهبت بلا رجعة وأن أيام الراحة والسعادة أقبلت بلا انقطاع؛ ورسخ هذا الشعور بداخلهما 4 فتيات وولد رزقا بهما ذرية ملئوا عليهما الدنيا بهجة وفرحا؛ ولكن من يأمن للقدر وما يخبئه «واهم».
كابوس مزعج
فجأة وفي غمرة سعادة إنهمار الرزق على الزوجين؛ تبددت الأحلام وتحول الواقع إلى كابوس مزعج حين سقطت على الزوج مجموعة من «شكائر» الأسمنت أدت إلى إصابته بكسر في ساقه سرعان ما تضاعفت إلى عجز أفقده القدرة على الحركة؛ وزاد الأمر سوءًا حين أصيب بالعمى من شدة الحزن على تجارته التي خسر فيها كل ما يملكه بعد أن استغل العاملون معه فترة غيابه وخانوا الأمانة.
من جديد عاد الزوجان لمعاناة التخبط في ضيق العيش، ومرت عليهما أيام باتا فيها وأبنائهم دون عشاء، وهو ما قررت تجاهه «أم إسلام» النزول إلى سوق العمل وجلب الرزق بيدها، حتى تسد جوع صغارها وتنفق على زوجها العاجز عن الحركة وتشعره أن ورائه امرأة بـ 100 راجل.
«أم إسلام»؛ وقفت بهمة ودون تردد تبيع الخضراوات أمام باب منزلها؛ يحدوها الأمل أن تعيد «أيام العز الخوالي» وتعوض زوجها خسارته الفادحة؛ ومرت الأيام وأصبحت المعاناة من عدم وجود شئ؛ إلى رضا بتوافر كل احتياجات الأسرة.. الخمسة أبناء والزوج.
تعليم الأبناء
مرت الأيام وكبر الصغار.. رأت «أم إسلام» عيدان الفل - أبناءها الخمسة - التي زينت بستان حياتها يكبرون وشغلها خاطر تعليمهم وحصولهم على أعلى الشهادات العلمية وهذا ما جعلها تضاعف من ساعات العمل لتوفر لهم نفقات التعليم ونجحت «فاطمة» أكبر بناتها سنًا في الحصول على الشهادة الثانوية واكتفت بهذا القدر رافضًة إكمال تعليمها وكذلك فعل باقي أشقائها؛ وهو ما أصاب الأم بشيء من الحزن ولكنها لم تكن تملك سوى الرضوخ لرغبة الأبناء.
الموت كان قدرًا رحيمًا بالزوج.. هكذا تصف «أم إسلام» وفاة زوجها منذ 4 سنوات، قائلة: «القعدة وإنه ما عدش قادر على الشغل كانت مأثره فيه.. إحساسه بالعجز كان بيخلي أمراضه تزيد يوم ورا يوم؛ ولما مات زعلت على فراقه صحيح لأن العشرة ما بتهونش بالساهل؛ بس فرحت إن ربنا ريحه من وجع المرض وحسرة العجز.. والحمد لله كل اللي بيجيبه ربنا خير».
ورشة خياطة
رحل الزوج، وبقيت «أم إسلام» وحيدة تستيقظ في الرابعة فجرًا كل يوم لتأتي بالخضراوات التي تبيعها وتنفق من مكسبها على فتياتها الأربع وإبنها الذي ما زال حتى الآن ومنذ 4 سنوات يبحث عن عمل دون جدوى؛ وهو ما تصفه الأم بقولها: «ربنا يرزقه بشغلانة.. هو صنايعي شاطر، وأنا قلتله تعالى أوقف مكاني على فرش الخضار بس هو مش راضي؛ وحتى أخته الكبيرة من كتر ما لقيتني بتعب من الوقفة على فرش الخضار نزلت تشتغل في ورشة للخياطة عشان تساعدني في مصاريف البيت».
مسئولو وزارة التضامن الاجتماعي أيضًا، كانوا عاملًا مساعدًا في تخفيف حمل الإنفاق على الأبناء الخمسة حين منحوا «أم إسلام» معاشًا استثنائيًا قدره 300 جنيه و23 جنيهًا: «ناس جيرانا ولاد حلال أخدوني في يوم وراحوا قدمولي طلب في مكتب المعاشات وبعدها بقوا يصرفولي 323 جنيه كل شهر.. والحمد لله من يوم ما بقيت أخد المبلغ ده الأمور أتحسنت كتير وفعلًا زي ما بيقولوا الدنيا لسه بخير».
راضية وشاكرة
«أم إسلام»؛ سيدة بلغت من العمر أرذله.. ذاقت خلال سنواتها الـ 55 قليلًا من السعادة وكثيرًا من الشقاء ومعاناة تحمل مسئولية الإنفاق على أسرة مكونة من 6 أفراد - زوج و5 أبناء؛ تشير إليها بقولها: «سنيين كتير كنت بترمي على فرشتي في آخر الليل ومش قادرة أنام من كتير التعب، وعمري ما شكيت ولا اعترضت على مشيئة ربنا.. دايمًا كنت بقول الحمد لله ولسه لحد دلوقتي راضية وشاكرة فضله ونعمه علينا، وعارفه إني يوم ما هتعب من الوقفة على فرشة الخضار وأقعد في البيت هاموت لأن العمل بركة.. والشقاء بيطول العمر».
«أم إسلام»؛ مطالبها مثل حياتها بسيطة، تلخصها في جملتها: «كل اللي أنا عايزاه إني أموت وأنا مستورة.. وربنا يصلح حال ولادي وكل الناس تبقى حلوة وبيحبوا بعض».
