«مشانق الانتظار» لـ«ولاء الشامي»
ككل صباح تستيقظ وليس في ذهنها سوى تساؤل واحد يجلدها: " متى سيخرج من هذا السجن البعيد ؟! "، يتلاشى التساؤل رويدا رويدا تحت ضغط الروتين اليومي،تحضر إفطارها ولا تهتم لأن تأكله كعادتها مؤخرًا تحضر نفسها لفعل الأشياء وتهيئ الطقوس ولكن لا تفعل شيئًا واحدًا،لا يفلح تشاغلها عن التفكير فيه تعود الأسئلة وتطرق رأسها بعنف،لماذا بعد كل ما عاشوه سويا يُؤخذ منها عنوة إلى معتقل بعيد بارد الجدران؟! ولماذا لم يسألوها هي قبل أن يسجنوه ظلمًا كانت ستجيبهم بأنه أعظم إنسان في الوجود -في نظرها على الأقل-،لماذا قُدِّر عليها أن تنتزع الأقدار من تحبهم دوما؟.
تطحنها الأسئلة، ويبرد الأكل فلا تأكله، تذهب إلى عملها آملة أن تنهك فيه ويهدها التعب فتعود لتنام وتنهي أيامها هكذا يوما تلو الآخر. لا يفلح هروبها هذا،تلفحها وجوه الناس البائسة تذكرها بمأساتها الخاصة.
لا تمضي أيامها في البعد عنه الا حثيثا كسلحفاة،تتذكر في كل يوم كلامه،ضحكته،مشاركاتهم اليومية في الحزن قبل الفرح،كيف كانت تذهب اليه بغية أن تكوم حزنها في بهجة مزاحه فتعود وقد غمرتها البهجة الصافية.
في البداية كانت تعتقد أن أيام الانتظار ستطهرها من خلافاتهم الصغيرة ومشاحناتهم فتعود روحها صافية له،ولكن لا.. الأمر أكبر منها فمنذ ثاني يوم طلعت فيه شمس وهو في محبسه أصبحت تحصي الثواني والدقائق وتلضم الساعات
متى سيعود ؟ هو ؟ أم العدل الغائب ؟ اختلطت عليها المفاهيم ففي حضوره كان مفهوم المفاهيم.
في غيابه نسيت من تكون،ماتكون ماهية الأشياء. لو كان بعده عنها بمحض ارادته ربما تحملت وصبرت،ولكن أن يفصله جدران رمادي باهت وأرض صلبه تمنعه عن النوم فتقلق روحها لتظل تؤنسه في هذا المكان البعيد. هو أمر لا تستوعبه ولا ترضى احتماله
تدعو صباح مساء "رجعه لكل اللي بيحبوه يارب " وتخاف أن تضع اسمها وسط تلك الدعوة؛ربما لم يكن انتظارها وحدها مجديا.
تذكر آخر محادثة لهما " لو مش قادرة تزقي الدنيا تعالي نزق سوا "ويعاودها الحنين إلى سند غاب بغيابه،إلى الطفلة التي كانت ترمي عليه كل همومها الصغيرة.
حين يطفئنا الانتظار يغرر بنا لنرى لمحة من ضوء وجوههم في كل عابر نستدفئ، نبكي، نطمئن، ثم ننهار عندما نكتشف أن الدفء وهم وأن لا وجود لهم في الهنا، بل هم غارقون بكليتهم في الهناك،لا نعرف كيف ننقذهم ولا ننقذ أنفسنا ؛ففي ظلمة الداخل كل الأنوار مخادعات مومسات ومواسم الانتظار الطويل لم يأْن لها أن تستحى فتنقضي!.
