رئيس التحرير
عصام كامل

وتشابكت أيدينا لأول مرة كصديقين


كانت عيناه تتحرك خلف نظارته، وهو يقرأ تحاليلي الطبية حتى بادرني قائلا: سيدتي في الحقيقة هذا مرض سكر نوع واحد، ولكن "سكر واحد" يصيب الأطفال والمراهقين حتى عمر 25 عاما، وأنا في الخامسة والثلاثين، في أحوال نادرة يمكن الإصابة به بعد ذلك، خاصة لو كان وراثيا، كانت كلمات الطبيب صارمة، لم تعطيني فرصة للنقاش أو الأمل.


بعد أيام من الصدمة أعلنت حربي على المرض، كنا نتقاتل فيما بيننا لكننا نتصالح أمام الناس؛ لأنني رفضت الاعتراف بوجوده، أنزل من بيتي صباحا فينقض عليَّ فيشل حركتي ويكبل أقدامي ليسقطني حين تهبط معدلاته، فأقبض على يديه وأجرحهما حتى تسيل منهما الدماء، فيحررني فأجري قبل أن يلحق بي مرة أخرى، ثم يعاود الكرة حين تعلو معدلاته فيثقل رأسي ويسقط ضباب أمام عيوني يتلاشى رويدا رويدا بحقنة الأنسولين، فأعاود الركض والهروب، كما اتخذ قراره بأن يرافقني حتى آخر دقيقة في عمري، اتخذت بدوري قراري أن يخفت نور الحياة في عيوني وخضارهما صاف نكاية فيه.

بالأمس قابلتها بعد سنوات طويلة، لم نتقابل ستيفاني زميلة قديمة جميلة ورقيقة، تعرج لإصابة في قدمها، سألتها عن أحوالها قالت بخير وستركب القطار لتعود إلى مدينة نيس حيث تسكن، لم تأت بسيارتك اليوم، لا لم أعد أركب سيارة حين تأتيني نوبات الصرع لا أستطيع السيطرة على نفسي، وآخر مرة جرحت قدمي، فتحت عيناي عن آخرهما وهل أصابك هذا المرض فجأة؟، لا كانت له بوادر وأنا صغيرة وزادت حدتها مع السن، بعد وداعها ذهبت لأجلس على أريكة أمام البحر، وكان هناك عدوي اللدود السكري بحلته الأنيقة يجلس إلى جواري، وأخرج من جيبه مشطي ليمشط شعره وزجاجة عطري ليتعطر..

أنت سرقت كل ما يخصني فابتسم ولم يرد، ماذا تفعل؟، أقلدك حين تستعدي للخروج في أبهى صورك وكامل أناقتك، فدمعت عيناي ليتني أستطيع أن أجمع أوجاعي وأخيطها في عنقود عنب أضعه في معصرة على شاطئ هذا البحر تعصره وتلقي به في المياه؛ كي لا أراك مرة أخرى، لا تقلقي سأرحل عنكِ وأتركك مع عدو آخر، وأشار إلى مركب تقترب في البحر كمراكب القراصنة بأعلام سوداء، على متنها رجل أشعث الشعر متشح بالسواد، من هذا؟، هذا مرض الصرع، وهل لا بد أن ترحل وتترك لي مرضا آخر مكانك؟، فقال كل البشر لا بد أن يأخذوا نصيبهم من الألم، ولو خيرنا بتبديل أقدارنا مع آخرين لاخترنا أقدارنا ورضينا بها، لا انتظر أنا اخترتك أنت ومشيت إلى جواره لأول مرة، وكان أطفال صغار يلعبون الكرة على جانب الطريق، فجرى واختطفها وألقاها تجاهي، فتلقفتها وضحكت وتشابكت أيدينا لأول مرة كصديقين.
الجريدة الرسمية