رئيس التحرير
عصام كامل

رمضان.. ومأساة الجوعى


عيني على الجوعى في مصر، وقد مضى شهر رمضان المبارك.. جُلّنا صُمنا نهاره، وفي الغالب قُمنا لياليه، وكلنا أخرجنا الزكاة والصدقات.. فهل يتخيل إنسان أنه بعد ذلك يبقى ثمَّ جائع؟!
نعم.. هناك ملايين الجوعى في طول البلاد وعرضها.. والسبب؛ كارثة إهدار الطعام!


يقول الكاتب الإيطالي والرياضي السابق كارلو بيتريني: "هناك طعام لكل إنسان على وجه الأرض، لكن ليس كل إنسان يأكل".

وتكشف منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة FAO، عن إهدار 1.3 مليار طن من المواد الغذائية حول العالم سنويًا بلا فائدة، وتقدر القيمة النقدية السنوية لهذه الخسائر، بما يناهز التريليون دولار أمريكي.

هذه الكميات من الطعام المهدر تكفي بالفعل وليس بالقول، لإطعام الجوعى الذين تبلغ أعدادهم حول العالم أكثر من 800 مليون إنسان.

في مصر يجرى إهدار 30% من الطعام في الأوقات العادية، ترتفع إلى 60% في رمضان.. وفي السعودية كشف الدكتور ناصر التويم - رئيس جمعية حماية المستهلك - عن أن نسبة الفاقد والهدر في فاتورة الغذاء في السعودية ودول الخليج، تتراوح بين 50% و70%، موضحًا أن معظم المواد الغذائية التي يتم شراؤها، يتم إلقاؤها في "النفايات"، ما يترتب عليه ارتفاع وزيادة فاتورة المستهلك خاصة في شهر رمضان، وصرف مبالغ أكبر من المعتاد.

من جهته، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور محمد بن دليم القحطاني، أن إهدار محصول الأرز في السعودية - الذي تعتبره المملكة من السلع الإستراتيجية التي لا تخضع لتقلبات الأسعار - يقدر بنحو 75 ألف طن سنويًا تعادل 1.5 مليون كيس، تقدر قيمتها بـ300 مليون ريـال، وهي تكفي لبناء 750 فيلا سكنية (الدولار يعادل 3.75 ريـالات سعودية).

بينما تشير التقديرات في إمارة دبي، إلى إلقاء ما يقارب 1850 طنا من الطعام في النفايات خلال العام، أي ما يكفي لإطعام أكثر من 40 ألف شخص لعام كامل.. هل تحول رمضان إلى شهر الإسراف، والبذخ، وإهدار الأكل بينما العديد من الأسر لا تجد قوت يومها؟!.. أليست تلك معصية خطيرة، وإثما مبينا؟!.. أطلب رأي المفتين، لاسيما من يشغلون أنفسهم، وشاشات الفضائيات بسفاسف الفتوى، وحقير الأمور.

هل من العدل ترك الفقراء والجوعى - وعددهم يتجاوز في مصر 5 ملايين - حسب الدكتور هويدا عدلي، الأستاذة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، حتى في رمضان، يقضون أياما ببطون خاوية؟!

والحل قادم من فرنسا؛ حيث صوّت البرلمان الفرنسي بالإجماع مؤخرا، على تشريع يمنع التخلص من الأطعمة غير المباعة في المتاجر الضخمة، في محاولة لتقليل كمية الطعام التي يتخلص منها الفرنسيون للنصف، محددا غرامة قدرها 75 ألف يورو على المخالفة الواحدة.

ويجبر التشريع الجديد المتاجر الكبيرة على أن تتخذ احتياطاتها؛ للحيلولة دون التخلص من المواد الغذائية، والتبرع بأي أطعمة غير مباعة وصالحة للاستهلاك الآدمي للأغراض الخيرية؛ حتى تُستخدم كعلف للحيوانات أو كسماد زراعي، من خلال توقيع عقود مع الجمعيات الأهلية.

ويشار إلى أن الفرنسي الواحد يتخلص من كمية أطعمة تتراوح بين 20 إلى 30 كيلو سنويا، وهو ما تُقدر قيمته ما بين 13 إلى 22 مليار دولار سنويًا.

الطريقة الفعالة للقضاء على الجوع في مصر والعالم، وإنهاء معاناة ملايين الأطفال الذين يذهبون إلى النوم ببطون خاوية، تتمثل في وقف إهدار ثلث الطعام الذي ننتجه سنويًا، كما تنصح منظمة "آفاز".

هل يمكن أن تنشط مؤسسات العمل الأهلي في هذا الاتجاه؟.. مثلا بالاتفاق مع الفنادق والمنشآت السياحية على استلام بقايا الطعام، وإعادة فرزها وتغليفها، ثم توجيهها للمستحقين كما يفعل بنك الطعام المصري.. مجرد بداية، لكنها ستحقق نتائج مبهرة.
الجريدة الرسمية