رئيس التحرير
عصام كامل

حدائق الهرم.. الـ"تكية" و"الجمعية"


أخطر شيء في هذا البلد، أن نترك إدارة أموال عامة لأشخاص دون رقابة.. عن الجمعيات التعاونية للإسكان التي تحولت إلى "تكايا" والفساد الذي وصل فيها للركب.. أتحدث..

ما يحدث أن الدولة تسلم عشرات الأفدنة إلى مجموعة أشخاص يشكلون جمعية لبناء مجتمع إسكاني، اصطلح على تسميته بـ "كومباوند"، وتتقاضى الجمعية نسبة 5% من كل قطعة أرض يتم بيعها مقابل توليها مسئولية إنشاء المرافق والبنية الأساسية من أعمال رصف وإنارة وتشجير ومدارس وأقسام شرطة ومكاتب بريد وسنترالات وغيرها.

لكن ما يحدث على أرض الواقع، أن حصيلة العائد التراكمي من نسبة الـ5%، وهو بالملايين، يتم التلاعب به في غياب الرقابة، ويتفرق دمه بين مجالس الإدارات المتعاقبة، بحيث يحمل كل مجلس المجلس السابق له مسئولية تآكلها، والنتيجة ضياع المال العام وسقوط هذه الكومباوندات فريسة للإهمال.

وما يحدث في الجمعية التعاونية لبناء المساكن وتعمير صحراء الأهرام، نموذج صارخ لما أتحدث عنه، فهي تشرف على إدارة هضبة أو حدائق الأهرام التي تعد كومباوندا سكنيا مكونا من نحو 5030 قطعة أرض، كل قطعة مساحتها 1000 متر، بالإضافة إلى أرض خدمات.

وبحسبة بسيطة، فإن الجمعية دخل في حصالتها نسبة 5% من عائد بيع الـ5030 قطعة أرض، وهي مبالغ بالملايين تكفي لتحويل الهضبة إلى واحد من أرقى المجتمعات العمرانية في مصر، ولكن تحولت الهضبة على أرض الواقع إلى خرابة بمعنى الكلمة، ولم يتم إنجاز أو بناء أو حتى الشروع في بناء المستشفى والوحدة المحلية وموقف الأتوبيس والإسعاف والمدرسة الابتدائي والإعدادي والثانوي والمجمع التعليمي، والـ5 مساجد الكبرى وقسم الشرطة والمطافئ ومكتب البريد والسنترال، والمركز الرياضي والحدائق التي من المفترض أن يتم إنشاؤها ضمن المخطط العام، شارعان اثنان فقط تم رصفهما، وباقي الشوارع ضربها الإهمال والتكسير ليصبح حيا عشوائيا بدلا من أن يكون حيا راقيا، "الزبالة" تملأ الشوارع، لا إضاءة ولا خدمات ولا أمن ولا أي شيء، والسؤال: أين ذهبت حصيلة نسبة الـ5% إذا كان حال المكان الذي نعيش فيه بهذا المستوى من التردي؟

ورغم أن أموال الجمعيات التعاونية للإسكان في حكم المال العام، وأعضاء مجلس إدارتها في حكم الموظفين العموميين، وأوراقها ومستنداتها وسجلاتها ودفاترها وأختامها في حكم المستندات الرسمية للدولة، إلا أن المثير للدهشة أن هذه الجمعية مثل غيرها، فوق القانون ولا توجد رقابة على مواردها المالية من جانب الدولة، اللهم إلا اجتماع يسمونه جمعية عمومية يطبعون فيه أوراقا سابقة التجهيز لتمرير الميزانية.

المثير للدهشة، أن أعضاء مجلس الإدارة يتقاضون رواتب فلكية حددوها لأنفسهم، ويبلغ مجموع ما يتقاضاه أفراد الأمن العاملون بها شهريًا 120 ألف جنيه، في الوقت الذي تحولت فيه الهضبة من كومباوند مغلق إلى مكان مباح لجرائم سطو مسلح ليلا ونهارا على السكان والمحال والصيدليات، وبأريحية تامة من جانب البلطجية، دون أن يتصدى لهم أو يطاردهم أو يكشفهم أحد من هؤلاء الذين يتقاضون الآلاف تحت مسمى أنهم أفراد أمن.

كما تحول هذا التجمع السكني، المفترض أنه مغلق، إلى ساحة لعربات الكارو والباعة الجائلين، دون أن يمنعهم هذا الأمن من دخول البوابات.

لقد كان لنا نحن السكان صولات وجولات مع محافظ الجيزة الأسبق د. علي عبد الرحمن؛ لإقناعه بتقديم المحافظة دعما ماليا لرصف الطرق وبناء السور والمستشفى وقسم الشرطة وغيرها من الاستحقاقات الغائبة، وكان الرجل صريحا وحاسما في كل مرة، ويقول "مسئولية المحافظة تنتهي عند البوابات، وعليكم بالجمعية، شوفوها بتودي فلوسكم فين؟".

وإذا كانت الدولة تنفض أيديها، باعتبار أن الهضبة كومباوند تقوم فيه الجمعية مقامها وتنشئ بالنيابة عنها البنية الأساسية والمرافق، فلماذا تتنصل من مسئولية رقابة ومحاسبة الجمعية إذا ثبت أنها أهدرت عائدات بيع أراضي مجتمع سكني، ودمرت بنيته التحتية بالكامل؟

بالنيابة عن نشطاء الهضبة وسكانها، الذين نظموا عشرات المسيرات والمظاهرات ضد الجمعية السابقة والحالية، أجدد مطالبنا العادلة للنائب العام بحل مجلس إدارتها ومساءلة أعضائها، وإخضاع أموالها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وإسناد إدارتها لجهاز مدينة زايد أو أكتوبر.
الجريدة الرسمية