رئيس التحرير
عصام كامل

زكريا عبد العزيز.. الملاك والشيطان!


في مصر تستطيع أن تصنع واقعا حول أشخاص، وقمم ورجال دون أن يدروا يصبحون شياطين.. في زمن الذاكرة السمكية وعصر جوجل وزحمة البث والكتائب الإلكترونية يصبح المواطن البسيط ضحية الكبار.. الكبار سواء كانوا شركات أو تنظيمات أو أجهزة استخبارات.. الكل يلعب الآن على الشبكة العنكبوتية.. هنا كل شيء مباح، لا وجود للافتة الساذجة "ممنوع التصوير والاقتراب.. بالعكس هنا كل شيء على الهواء مباشرة"..


في زمن كنا نحلم فيه بحرية أكبر وبوطن أكثر احتواء، وببلد يستطيع أن يمنح أبناءه ما يستحقون.. في زمن كانت الكلمة فيه نضالا عند سلطان جائر.. في عصر كان الكل فيه ينتمي للحزب الواحد والكيان الواحد، كان المستشار زكريا عبد العزيز واحدا من نجوم القوم.. واجه بجسارة وكشف عورات النظام بشجاعة.. والآن يحاكم الرجل بتهمة ساذجة.. يواجه تهمة اقتحام مقر أمن الدولة، وكأن صناع القرار لا يعرفون من اقتحم وبإشراف مَن ولماذا تم الاقتحام، وما هي الرسالة التي أرادوها في ذلك الوقت؟!!

ليس دفاعا عن الرجل بقدر ما هي تساؤلات.. زكريا عبد العزيز على الصفحات الإخوانية شيطان.. شيوعي.. لم يقف بجوار مرسي.. تخلى عن الشرعية.. أما زكريا عبد العزيز على صفحات ٣٠ يونيو، فهو عميل وخائن ومقتحم ومنتمٍ إلى تيار سياسي أقرب إلى الإخوان.. وما بين أن يكون الرجل شيوعيا أو ليبراليا.. وما بين أن يكون صاحب دين أو كافرا.. وما بين أن يكون مساندا لثورة ٣٠ يونيو أو لـ ٢٥ يناير دون غيرها.. بين كل تلك الحالات هو قاض جليل صاحب تاريخ مشرق عندما كان مجرد الإشراق جريمة.

هو قاض يجب أن يحظى بما يليق به وبموقعه في المجتمع، وبحقه في الحصول على كل الضمانات التي تكفل له حقوقه أثناء التحقيق.. هو قاض ليس من المقبول أن يتعرض للظلم وليس منطقيا أن نقبل هذا.. إن قبلناه مع قاض فكيف يمكننا تصوره مع مواطن لا يملك من الدنيا إلا نظام قضائي يحتمي به وقت الظلم.. لم يعد ما يتعرض له المستشار زكريا عبد العزيز مقبولا على جميع المستويات.

المصريون من حقهم أن يروا صورة مثالية للعدالة عندما يحاكم قاضٍ.. من حقهم أن يفخروا بسجال يظهر من خلاله الحق.. من حقهم أن يروا منصة مستجيبة.. منصة تمثل وجه الحق.. تبحث عن الحقيقة.. تقبل طلبات من يحاكم بجريرة يرى نفسه بريئا منها.. من حق المصريين أن يعرفوا لماذا أعلن المستشار زكريا عبد العزيز عن إشعال النار في نفسه إذا لم يستجيبوا لطلباته.. من حقه أن يطلب من يشاء من شهود، ومن حق المنصة أن تفخر بأنها تسعى من أجل الحقيقة، وأن تعلن براءة الرجل إن كان أقرب إليها، ومن حقها أن تعلن غير ذلك وفق ضميرها ووجدانها، ولكن ليس من حق أحد منع الهواء عن رئتين لا تعيشان دون هواء!!

من حق الناس أن يروا قاضيهم يبتسم وهو يحاكم.. يصول ويجول.. يبرهن للناس على أنه على حق.. من حق الجماهير أن ترى صورة الهيبة بين القضاة وهم يناقشون زميلهم، لا أن يروا صورة مهينة لقاض يتسول حقه في أجواء طبيعية لمحاكمته.
الجريدة الرسمية