رئيس التحرير
عصام كامل

الـثـورة عـلى الإلـه


لم يبالغ ذلك العبقرى الذى كان أول من قال: "الجـوع كافر"، فحتى المهمشين فى عهد الفراعنة الذين دجنوا لسنوات طوال فى نظام كهنوتى استبدادى هو أقرب للعبودية من الإقطاع، قائم على خلطة (بنت أبالسة) من الإرهاب بالسوط والإرهاب بالدين، كفروا بآلهتهم وثاروا عليها عندما ثارت عليهم بطونهم.


ولأن التاريخ يكتبه المنتصرون لم نعرف عن هذه الثورات إلا القليل، فما وثق فى عهد الفراعنة عن طريق الحفر والرسم على جدران المعابد معظمه نقوش ملكية تمجد الفرعون الإله وتعمد إلى طمس الحقائق المتعلقة بمظلومية شعبه، بل وتتحامل عليهم من خلال وصفهم بأنهم رعاع أثاروا الفوضى وسببوا الإضطرابات! تماما كما وصف النظام البائد متظاهرى الخامس والعشرين من يناير بأنهم مأجورون وأجندات وبيتكلمون إنجليش لانجويدج، أو كما يصفهم النظام الحالى بأنهم فوضويون، معطلون لمسيرة النهضة وبياكلوا جبنة نستو !.

لكن بعض آكلى الجبنة النستو الفرعونى استطاعوا أن يتغلبوا على الإعلام الكهنوتى المضلل الذى تفوق فى نفاقه على نشرة جماعة الإخوان المسلمين، المسماة زورا (جريدة) الحرية والعدالة، ووثقوا على البرديات بعض من ذكريات نضالهم الثورى، فورد فى إحدى البرديات: "لقد عانينا الجوع والعطش، وليس لنا ثياب، وليس عندنا زيت أو طـعام" جاء ذلك تبريرا من أحد الثوار عمّا عرف فى عهد الدولة القديمة بأنه (ثورة جياع) رغم أنى أجدها (انتفاضة عمالية) تحولت إلى (ثورة بروليتارية) بكل المقاييس، حيث كانت لكل حرفة تنظيم يشبه حاليا اتحادات العمال وقام رؤساء الاتحادات هذه بتنظيم الانتفاضة بعد أن اشتد عليهم الظلم والفقر باحتكار طبقة الإقطاعيين من الكهنة وكبار رجال الجيش والموظفين لكل قوى الإنتاج، فحاصر الثوار قصورهم وأحرقوها بعد نهبها، ثم انضم فلاحو الريف إلى الثوار وتوجهوا معا إلى القصر الملكى وأحرقوه وأُجبر الفرعون وحاشيته على الهروب إلى الفيوم.

وفى أوائل عصر الدولة الحديثة قامت ثورة مشابهة لسابقتها هاجم فيها العمال والفلاحون الجياع مخازن الغلال ودواوين الحكومة وقصور الأغنياء، فنهبوها وأحرقوها وجاء فى إحدى البرديات على لسان ثائر شامت: "وناح الإشراف، أما المعدمون فامتلأت قلوبهم بهجة"!

هكذا حرض الجوع المصريين على الكفر بحكومتهم وكهنتها وآلهتها، غير آبهين بجحيم الدنيا الذى قد ينتظرهم فى حال فشلت ثورتهم أو نعيم الآخرة الذى قد يكافأون به إذا صبروا، وذلك بعدما فشلت كل محاولاتهم السلمية لاستجداء ضمير حكامهم للنظر إليهم، ويتجلى ذلك فيما ورد بالبردية الشهيرة التى عرفت بشكوى الفلاح الفصيح:
ارفع المعاناة عنى! فأنا مثقل بالهموم، وبسببها أنا ضعيف.
تفحصنى، وانظر، أنا فى بؤس.

من يرى صار أعمى من يسمع أصبح أصما ومن يقود منقادَا.
آه يا سيدى، متى تعود لصوابك، تصرف كما يتوقع منك.
انظر، أنت شديد وقوى، لكن ذراعك متراخية وقلبك جشع.
وأضيف.. تذكر أنك قلت إنك رئيس لكل المصريين.

yasmine-elkhateib@hotmail.com


الجريدة الرسمية