رئيس التحرير
عصام كامل

«جاسوس إيراني» وراء الفوضى بدول الربيع العربي.. بدأ في القاهرة 2005.. له علاقات بالمتطرفين والمتشددين السنة.. اتفق مع الإخوان وحماس على الوطن البديل في سيناء.. والسودان ممر لتهريب السلاح

18 حجم الخط

أثارت المعلومات عن القيادي الغامض في الحرس الثوري الإيراني «سيد حسيني» مزيدا من المخاوف من سياسات طهران بالمنطقة.

وبحسب صحيفة "الشرق الأوسط" فإن «حسيني» البالغ من العمر نحو 57 عاما انطلق من القاهرة منذ عدة سنوات، وزار اليمن والسودان وليبيا وسيناء، وتواصل مع إسرائيل، وفقا لإفادات من مصادر أمنية من مصر وليبيا.


وتفتح تفاصيل جديدة عن قصة الرجل الذي جرى التعامل معه في البداية كـ«جاسوس في عباءة دبلوماسي»، شهية بعض القادة للتساؤل عما إذا كانت إيران فارسية أم شيعية أم بين هذا وذاك.

طرده المصريون

ونقل التقرير عن ضابط مصري أن بلاده رصدت نشاطا عابرا للحدود للحرس الثوري الإيراني يقوده «حسيني»، بعد أن قام المصريون بطرده في صيف 2011 واكتشف مراقبون أمنيون أن المنطقة تعج بأكثر من عشرين «حسيني» آخرين يعملون بدأب على نشر الفوضى، من العراق لليمن لليبيا، وحتى سيناء.

التوغل الإيراني في سيناء

ولفت التقرير إلي أن هناك معلومات جديدة عن زيارات هذا الرجل المريبة لسيناء، الذي كان يعمل قائدا في الحرس الثوري الإيراني، واتصالاته السرية التي استمرت حتى بعد إبعاده عن مصر، وأصبح في الإمكان الاستماع لنظريات تذهب إلى القول إن الأهداف الإيرانية تلتقي مع أهداف إسرائيل في تفتيت الدول العربية وتدمير قدرات الجيوش التي يمكن أن تتسبب في قلق لطهران أو تل أبيب في المستقبل، «انظر لوضع العراق.. طائفية مدمرة. انظر لسوريا. لم تعد هناك دولة».

دعم الحوثيين

مثل هذا الحديث لم يكن مطروحا بكل هذا الوضوح من قبل، تسربت معلومات جديدة عن «حسيني» على نطاق ضيق، لكنها أصبحت محل اهتمام في بعض الأوساط المصرية الرفيعة على خلفيات عدة، منها عملية «عاصفة الحزم» ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، ومنها القلاقل الأمنية في سيناء وليبيا والتغلغل في العراق وسوريا.


دعم حماس والوطن البديل

يقول أحد القادة الأمنيين إن المخطط الذي يهدف لاقتطاع جزء من الأرض المصرية لصالح إقامة وطن للفلسطينيين في سيناء، تقف وراءه إسرائيل وأمريكا وإيران وحركة حماس، وأنه جرى التقاط الخيط الخاص بنشاط «حسيني» أثناء زياراته المتكررة لمناطق حساسة منها سيناء.

مع هذا لم يجرِ التأكد من أهمية الرجل، وأنه «ليس مجرد جاسوس»، إلا حينما انتقل فجأة إلى لبنان في عام 2010، وقيامه باتصالات مع حاخامات من أصول إيرانية لتسهيل وصول الرئيس أحمدي نجاد لأقرب نقطة من الحدود اللبنانية الإسرائيلية.

بداية الحسيني

حطَّ «حسيني» أولا في دمشق ضمن خلية عمل يقودها العسكري الإيراني، قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري، ثم انتقل الفريق للبنان في ضيافة حسن نصر الله زعيم حزب الله، ومن هناك انتقل مع موكب نجاد تحت حراسة من حزب الله والحرس الثوري إلى جنوب لبنان.

وعمل حسيني بالقرب من «سليماني» قبل انتقاله للقاهرة، وتولى الإشراف على تجنيد عملاء فاعلين من مصر ودول مجاورة، إلى جانب متابعته لبعض الشؤون الأمنية الخاصة بإيران في المنطقة.

أول ظهور 

كان أول ظهور له بالقاهرة في فترة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الأسبق حسني مبارك في عام 2005، «جاء في البداية كمن يريد الاكتفاء بقراءة المشهد، لكن تحركاته اتسعت، كان ينفذ خطة، وبدأ بعد أشهر في السفر لبورتوسودان وسيناء، وهما منطقتان ضعيفتان أمنيا وينشط فيهما متطرفون ومهربون وتجار أسلحة منذ سنوات».

وفقا لمصادر عملت بالقرب من «حسيني» فإنه يتخذ من «سليماني» مثالا له في الصرامة والتعصب الفارسي والإخلاص للمرشد علي خامنئي، يذكر ذلك عادة في جلساته الخاصة، وأحيانا يتحدث بفخر عن تنفيذه لعدة سنوات خطة نشر شعارات في أوساط شبان شيعة بالعراق واليمن ولبنان، تدعو لقتال إسرائيل، ويرد على المختلفين معه من يؤمنون بالقومية العربية أو الفكر اليساري.

كان لـ«حسيني» مساعدون يتحركون في المنطقة بجوازات سفر أوروبية ومن أميركا اللاتيني، جرى منع بعض من هؤلاء من المرور من مطار عمان الدولي حين حاولوا دخول الأردن في أعوام 2009 و2010 و2013، وفقا لإفادات من مصادر أمنية، ويكشف ضابط ليبي كان يعمل في مخابرات معمر القذافي أن «حسيني كان مرصودا في مصر وفي ليبي، كنا نعلم أن له علاقات واسعة مع متطرفين في شرق ليبيا وفي سيناء وشرق السودان، كان يزور مناطق في اليمن أيضا».

سلفي ونائب في البرلمان

ويضيف أن أحد مساعديه التقى مع شيخ يدعى «فرج» وهو مصري من أصول ليبية، أصبح فيما بعد نائبا في البرلمان في عهد حكم الإخوان، ورغم أن هذا الشيخ «سُنِّي متشدد»، فإنه كان يطالب، مثل الإخوان، بفتح أبواب مصر للإيرانيين.

رفض هذا النائب، عبر وسيط، الإدلاء لـ«الشرق الأوسط» بأي تعليق حول ما تردد عن لقاءاته السابقة مع أجانب وعرب قرب الحدود المصرية الليبية في بداية شهر فبراير 2011، بينهم فرنسي من أصل إيراني وخليجي وأمريكي.

تقول تفاصيل تخص هذه الواقعة إن هذا الخليط من الشخصيات أسهم في ترتيب نقل حاويات إلى داخل ليبيا، كانت قادمة من آسيا عبر إيران، وجرى إنزالها في ميناء دمياط على البحر المتوسط، لحساب مكتب للاستيراد والتصدير يديره في مدينة دمياط مصري يدعى «شعيب»، و«جرى استخدم المكتب كغطاء لنقل حاويات تحمل أجهزة اتصالات متقدمة ومناظير للرؤية الليلية ومئات الألوف من أعلام الثورة الليبية قبل انطلاقها بعدة أيام».

الشيخ "فرج"

استغلَّ هؤلاء الفوضى بمصر في ذلك الوقت، وجرى نقل الحاويات عبر شاحنات من دمياط إلى مخازن رجل يدعى «عمر» قرب حدود ليبيا، كانت الشخصيات الأجنبية بمن فيهم الفرنسي والأميركي يتعاملون مع الشيخ «فرج» قبل أن يصبح نائبا في البرلمان، باعتباره الوالي المقبل لـ«ولاية مطروح الإسلامية»، ويقول أحد رجال الدين في محافظة مطروح إن الخطة كانت تسعى لتقسيم مصر وليبيا إلى ولايات تحت قيادة الإخوان بعد توليهم حكم البلاد.

تهريب الأسلحة

اسم «حسيني» اختفى تماما من القاهرة منذ مايو 2011، لكن أسماء جديدة ظهرت في أكثر من موضع وتعمل بنفس الطريقة القديمة.
تقديم الهدايا البسيطة من الزعفران والفستق، مع وعود بتحقيق الطموحات التي تبدأ من تأسيس دور النشر وتسهيل الصفقات التجارية حتى قلب أنظمة الحكم.

وفقا لمعلومات من مصادر استخباراتية، خلف «حسيني» في متابعة النشاط الإيراني في بورسودان رجل يدعى «نابخت» أو «ناكبخت»، أشرف في عامي 2013 و2014 على عملية إنزال شحنات أسلحة من سفن إيرانية في الميناء، ويعتقد أن هذه الأسلحة جرى نقلها فيما بعد في مراكب صغيرة إلى الشواطئ اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون.

التوغل في ليبيا

يوجد اسم آخر يدعى «نوري» خلف «حسيني» أيضا في مواصلة المراقبة للوضع داخل ليبيا، لكن انطلاقا من داخل الأراضي الليبية هذه المرة، وليس من حدود مصر الغربية كما كان يفعل مساعدو «الدبلوماسي الجاسوس».

يعمل «نوري» حاليا تحت حماية مجموعة مذهبية في الجبل الغربي لطرابلس الغرب تعتنق المذهب الإباضي، وتقول المعلومات إن نشاط «نوري» بدأ أولا في المنطقة الشرقية من ليبيا خلال عامي 2012 و2013، وقام بضخ أموال إيرانية ضخمة لشراء الأسلحة من اللصوص الذين سرقوها من مخازن القذافي، ثم جرى نقلها إلى مصر والسودان، عبر الطرق البرية وكانت وجهتها للمتطرفين في اليمن وسيناء وغزة.

المراقبة المصرية

ورصدت تقارير أمنية مصرية نشاط الحرس الثوري الإيراني بمصر على خلفية قضية «حسيني»، عدد من هذه التقارير جرى تضمينه في المحاكم المصرية أثناء مداولات لقضايا تخص علاقة بعض قادة الإخوان بحزب الله وحركة حماس ومشروع استقطاع جزء من سيناء لصالح وطن للفلسطينيين.

يوجد حظر قضائي للنشر في تفاصيل هذا الموضوع، وتقول معلومات أخرى إن عناصر إيرانية ومن حزب الله الموالي لإيران أسهمت مع حركة حماس في اقتحام السجون بمصر لإطلاق قادة الإخوان وقادة من حزب الله وحماس كانوا في سجون مبارك.

توقيف «حسيني» جرى أثناء تولي المجلس العسكري بمصر إدارة البلاد، وذلك عقب تخلي مبارك عن السلطة، قبلها، يقول أحد المصادر الأمنية: «لم يكن لدى الأجهزة ما يكفي من معلومات تفصيلية، على ما يبدو، بشأن نشاط الحرس الثوري، لهذا، وبعد أن لمح المجلس العسكري إلى أنه حان الوقت لإعادة العلاقات بين القاهرة وطهران، تكشفت سريعا الألاعيب الإيرانية داخل مصر وفي دول الجوار أيضا».

الإخوان والحرس الثوري
 
رغم استقبال مرسي لنظيره الإيراني نجاد في مصر في 2013 فإن تطور العلاقات، من وجهة نظر الأجهزة الأمنية المختصة، كان محكوما بالفشل، وهو ما حدث بالفعل.

تكشف تفاصيل جديدة عن نشاط «حسيني» عن أن إيران لها علاقات مريبة بما يعرف بالأفغان العرب، هؤلاء سُنَّة من مصر واليمن وليبيا وتونس وغيرها، لكن إيران كانت حريصة على وضعهم تحت مناظيرها الخاصة حين لم يكن أمامهم أي مأوى آخر.

الجريدة الرسمية