رئيس التحرير
عصام كامل

باحث أثري: التراث الحضاري المصري تعرض لسرقة منظمة وممنهجة

فيتو

أكد يسرى طه، الأثرى والباحث في مجال المتاحف وحفظ وصيانة التراث الثقافى بمتحف الحضارة، أنه لم يتعرض تراث حضاري في العالم لسرقة منظمة وممنهجة ومقصودة كما تعرض التراث المصرى على وجه الخصوص والتراث العربي بشكل عام، حيث طالت عمليات السرقة كل شيء تقريبًا، مرورًا بسرقة الآثار، وانتهاءً بسرقة المخطوطات والتراث الفوتوغرافى والبصرى.


وقال طه، في تصريحات خاصة، إن من يزور أي متحف كبير في أي عاصمة غربية بخلاف بعض المتاحف العربية فسيرى بأم عينه كيف نجحوا في تفريغ أرضنا من إرثها الحضاري إلا ما عجزوا عن نقله مثل الأهرامات وأبو الهول.

وتابع: أنتج مصورو القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين طائفة من أبرز ما أنتج من الصور وأبقاها وأكثرها دقة وصقلا على الإطلاق، ومع بداية القرن (العشرين) أصبحت مصر، ومنطقة الشرق الأدنى عامة، مقصدًا وغاية ومركز جذب أعداد وفيرة من المصورين الرواد. ووثـقت أعمالهم تلك الموضوعات الحية؛ كالآثار وأعمال الحفائر والعمارة المحلية والمناظر الطبيعية، وكذلك الحياة الاجتماعية والأنشطة اليومية لسكان المنطقة الأصليين.

وأوضح طه، أنه خلال السنوات العشرين الماضية أخذ بعض المهتمين بالتراث الفوتوغرافى والبصرى وغيرهم من عشاق التصوير الفوتوغرافى بشكل فردى فى جمع الصور والنيجاتيف الفوتوغرافى الذي تم تصويره في مصر منذ عام 1850 حيث كانت بداية التصوير الفوتوغرافى في العالم منذ أن جاء المخترع كوداك لزيارة مصر، وجمعوا الكثير من ملايين الصور الفوتوغرافية والنيجاتيف الزجاجية لأن الأفلام القديمة كانت عبارة عن ألواح زجاجية مما صوره الأجانب بجنسيات مختلفة الذين حضروا إلى مصر بعيون ثقافية مختلفة في أنحاء البلاد جنوبًا وشمالًا، على غرار ما قام به نابليون بعمل كتاب وصف مصر من خلال جمعه لصور الرحالة المستشرقين.

وأردف أن الكثير من تراثنا الفوتوغرافى والبصرى قد رحل عن أرض الوطن في صورة روبابيكيا حيث تربح من هذه الثروة الثقافية من يعرف قيمتها، كل ذلك في ظل غياب مؤسسات الدولة المسئولة عن حماية التراث الثقافى المصرى، وغياب الإدارة المنهجية لمؤسساته، وقصور التوثيق والتأمين اللازم لمفرداته، والتدهور المادي والفكري، ونقص الخبرات اللازمة للتتعامل مع التراث. مصر من أبرز الدول المالكة للتراث الحضاري وبفضلها استطاعت أن تحتل مركزًا مرموقًا بين دول العالم، وشباب مصر قادر على إنقاذ تراثه.

ومع كل ساعة تمر، يعلن التراث الثقافي وداعه لأرض مصر، عله يجد من يقدره في متاحف برلين أو لندن، فعشرات السنوات وهو على هذه الحال “تهميش وإهمال واتجار غير مشروع”، بين حكومة مغيبة ومسئولين جهلوا قيمة ما يملكون من تراث وكوادر شبابية، فتركوا المغتصبين يفعلون ما يشاءون بتراثنا.. فلا تندهش عندما تجد مجموعة من الصور والأفلام النادرة التي توثق وترصد مصر عبر أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين قد عرضت في متاحف الصور التي بدأت تنتشر في العالم وبعض البلاد العربية.... والبقية تأتى !!

وفى الآونة الأخيرة أخذ مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بالقرية الذكية على عاتقه مهمة تيسير التعامل الآلي (الأوتوماتيكي) مع أرشيفات أكبر عدد ممكن من قدماء المصورين المستشرقين. تضم قاعدة بيانات التراث الفوتوغرافي المصري، تصنيفات من: سلبيات ألواح زجاجية، وصور قديمة مطبوعة على الألبيومين (زلال البيض) ملونة بصبغ السبيدج (السيبيا)، وألواح فضية ملونة بالسيلينيوم؛ قد صمدت لفعل الزمن. كما يضم الأرشيف مجموعة لينرت ولاندروك الفريدة من 1200 صورة عالية الجودة - أبيض وأسود، مصنفة موضوعيًا، بالإضافة لبعض المجموعات الأخرى التي جمعت من المتاحف المحلية والدولية.. وكذلك من المجموعات الشخصية (الخاصة).

وتساءل: على من يقع الدور الحقيقى في حماية التراث الفوتوغرافى والبصرى لمصر في ظل سرقات خفية تتم للتراث المصرى المادي وغير المادي.. هل على وزارة الآثار أم على وزارة الثقافة متمثلة في المركز القومى للسينما أم على التليفزيون المصرى الذي سرقت أصول أفلامه الفوتوغرافية والبصرية وبيعت لبعض الدول العربية أم على مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بالقرية الذكية؟. لكن الغريب أن تستهدف الدول العربية بعضها البعض للاستيلاء على تراث الآخرين، لتسجله باسمها، ثم تتفاخر به بعد ذلك، رغم أنه يعد تشويهًا للتاريخ.

ودعا إلى سرعة إنشاء متحف الصورة في مصر للحفاظ على ما تبقى لدى مصر من تراث فوتوغرافى وكذلك متحف للسينما الذي طالما حلمت أن يكون جزءًا من المتحف القومى للحضارة المصرية باعتبار السينما جزءًا أصيلًا من الحضارة المصرية من خلال تخصيص قاعات لتحكى تاريخ السينما المصرية منذ بدايتها بقدوم الأخوين لوميير وتقديمهما أول عرض سينمائى في مصر في مقهى زوانى بمدينة الإسكندرية في يناير 1896م، ومن ثم لابد من اتباع المنهج العلمي ووضع إستراتيجيات للحفاظ على التراث الثقافي وتكاتف المؤسسات الحكومية لاستعادة ما تمت سرقته خلال السنوات المنصرمة وإن لم نفعل ذلك فإن عملية النهب المنظم ستتواصل حتى آخر تحفة مصرية في أصغر متحف ومؤسسة، وكذلك إنقاذ التراث المصري من خلال مشروعات تثقيفية وإنتاجية وربطهم بالموقع أو المتحف حتى يكونوا خط الدفاع الأول له.

وطالب بعدم الاعتماد على قوانين اليونسكو بشكل مبالغ فيه لأنها مليئة بالثغرات، وبالتالي فهي لا تملك القوة الإلزامية لإرغام الدول على التقيد بنظمها، بل الأغرب أنها تشجع على التسجيل المشترك للتراث، وهذا ما يدفع دولًا ليس لها تاريخ وتراث واضح وملموس، إلى أن تسارع للاستيلاء على تراث الغير، لإرغام الدول الأخرى على التسجيل المشترك.

الجريدة الرسمية