فيتو
رئيس التحرير
عصام كامل

المعاملات جوهر الدين

ذكرنا كثيرا أن رسالة الإسلام ومنهجه العظيم تدور حول ثلاثة أسس مرتبطة بعضها ببعض ارتباط وثيق، ولا انفصام بينها وهي العقائد والعبادات والمعاملات، والعقائد هي الركن الركين والأصل في العبادات والمعاملات، فإن صحت العقائد وسلمت وخلصت أثمرت حسن وإتقان العبادات وإخلاص الوجهة فيها للمعبود سبحانه وتعالى، وأثمرت أيضا حسن وطيب المعاملات بكل وجوهها.

وحسن وطيب المعاملات هي خلاصة الدين والمرجو منه لقوله عليه الصلاة والسلام وعلى آله حينما سئل عن الدين، قال: “الدين المعاملة”، والمعاملة بكل وجوهها مع الله عز وجل وذلك بالإيمان به سبحانه وتوحيده وعدم الشرك به، وبإجلاله وتعظيمه والثناء عليه سبحانه. 

وعبادته وذكره تعالى، وتعظيم أمره سبحانه وطاعته الكاملة والولاء له وتقديم محبته عز وجل ورسوله عمَّن سواهما، والاستقامة على منهجه القويم ورسالته العظيمة، والخوف منه وخشيته تعالى بالغيب ومراقبته سبحانه في السر والعلن وحسن الظن به، وحب لقائه تبارك في علاه.

ثم المعاملة مع رسول الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وذلك بالأدب مع حضرته وتعظيمه وتوقيره وإجلاله ومحبته ومحبة أهل بيته الأطهار وعترته، وتقديم محبته ومحبة أهل بيت الأطهار على محبة النفس والأهل.. واتباعه والاهتداء بهديه القويم وإقامة سنته الرشيدة، ثم حسن وطيب المعاملة مع الناس بصفة عامة، مع القريب والغريب، ومع المسلم وغير المسلم، ومع الخصوم والأعداء، ومع من نختلف معه في العقيدة والتوجه والفكر.. 

والإحسان للآخرين حتى في القول كما أمر الله جل جلاله بقوله “وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”، وحسن وطيب المعاملة مع كل من يشاركنا الحياة على الأرض من طير وحيوان وزرع ونبات ودواب وغير ذلك من الكائنات والمخلوقات..

والإحسان للأرض التي نحيا عليها وذلك بالعمارة والتشييد والبناء وإثراء الحياة عليها وبإصلاحها وعدم الهدم والإفساد فيها، والعمل على إقامة الخلافة عليها كما أوجب الحق عز وجل، وكما أمر، وهي تتلخص في ثلاث: عمارة الأرض وإثراء الحياة عليها، ونشر الرحمة الإلهية بين الخلق، وإقامة العدل الإلهي بين الخلق.. 

ثم أخيرا الحفاظ على مظاهر الحياة، ولعل وصية الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي أوصى بها جيش المسلمين عند خروجهم للجهاد والقتال قد أشارت وأكدت على ذلك، وعلى أن حسن وطيب المعاملة خلق كريم لا يفارق المسلم حتى في حالة الحرب والقتال. 

عكس ما نراه الآن في الحروب تماما حيث نرى الدمار والخراب الشامل والقتل بلا رحمة للكبير والصغير والمرأة والشاب والهدم وإفساد الحياة على الأرض.. ويقول عليه الصلاة والسلام في وصيته: “أوصيكم بتقوى الله عز وجل ومن معكم من المسلمين خيرا، اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا ولا تغلوا، ولا تنقضوا عهدا، ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا كبيرا فانيا. ولا منعزل بصومعة، ولا تقربوا نخلا ولا تقطعوا شجرا ولا تهدموا بناء ولا تفسدوا أرضا”.. 

والخلاصة، أن الغاية من العبادات التخلق بالمكارم والفضائل والمحاسن والقيم الإنسانية النبيلة.. وفي الحديث عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، هذا ولا شك أن مكارم الأخلاق تثمر حسن وطيب المعاملات.