رئيس التحرير
عصام كامل

عاطف فاروق يكتب: قصور ينقذ مسئولين بالبترول سهلوا الاستيلاء على كميات نافتا بمليوني جنيه

عاطف فاروق
عاطف فاروق

المسئولية التأديبية مسئولية شخصية، شأنها شأن المسئولية الجنائية، بحسبان أن المخالفة التأديبية هي كل فعل إيجابي أو سلبي ينطوي على الإخلال بواجبات الوظيفة المنوطة بالموظف العام بمخالفته أحكام القوانين أو اللوائح أو التعليمات الإدارية، أو الإخلال بمقتضيات الوظيفة، ويتعين أن يستند الجزاء إلى سبب يبرره، ويقوم على حالة واقعية أو قانونية تُسَوَّغ التدخل بتوقيع العقاب.


جاء ذلك عبر أسباب حكم أصدرته المحكمة التأديبية العليا بمجلس الدولة في القضية رقم 218 لسنة 61 قضائية عليا، وأكدت عدم جواز إعمال فكرة المسئولية التضامنية في المجال التأديبي، إذ إن نسبة المخالفة إلى العامل وآخرين بتقرير الاتهام إجمالاً دون تحديد نطاق المخالفة ودور كل منهم في ارتكابها ودرجة مساهمته فيها يجعل المسئولية شائعة.

وجاء بأوراق القضية أن النيابة الإدارية أقامت هذه الدعوى التي اشتملت على ملف تحقيقات النيابة العامة، وتقرير اتهام ضد كل رمضان فاروق زايد، مدير عام مساعد بالإدارة العامة لمواني البترول بشركة السويس لتصنيع البترول وحالياً بالمعاش وجمال علي خليل، مدير عام مساعد وحالياً بالمعاش وخالد بشير أحمد، رئيس قسم وشريف خليفة إبراهيم، رئيس قسم ومحمد سامي أحمد، مراقب مستودع.

وتضمن تقرير الاتهام أن المحالين خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفي وسلكوا مسلكاً شائناً وخالفوا القوانين المعمول بها، وذلك بأن سهلوا استيلاء سائقي شركة السهام البترولية على كميات من النافتا بلغت قيمتها (1,859,741) جنيه عقب إثبات تفريغه على خلاف الحقيقة على نحو ما أسفرت عن تقرير اللجنة المشكلة من النيابة العامة.

بدأت وقائع القضية فيما جاء بمذكرة هيئة الرقابة الإدارية بشأن مخالفات بعض العاملين بشركة السويس لتصنيع البترول للاستيلاء على كميات من مادة النافتا المستخدمة في صناعة البنزين والواردة للشركة من شركة أسيوط لتصنيع البترول والمقدر قيمتها بمبلغ (ثلاثة ملايين وسبعمائة وخمسين ألف جنيه).

وتم إبلاغ النيابة العامة التي تولت التحقيقات فيها، حيث انتهت إلى ثبوت المخالفة في حق المحالين والتي تتمثل في قيامهم بالاشتراك مع سائقي شركة السهام البترولية في الاستيلاء على كميات كبيرة من مادة النافتا عقب إثبات تفريغها على خلاف الحقيقة، وانتهت النيابة العامة إلى إرسال الأوراق للجهة الإدارية التابع لها المتهمين لمجازاتهم إدارياً بعد قيامهم بسداد المبالغ المالية المستولى عليها. 

وأعدت الشئون القانونية بشركة السويس لتصنيع البترول مذكرة، وافق مجلس إدارة الشركة عليها وصدر القرار متضمناً مجازاة كل من المحالين الأول والثاني بعقوبة اللوم ومجازاة كل من المحالين الثالث والرابع والخامس بخصم أجر خمسة عشر يوماً من راتب كل منهم، وتم إخطار الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي اعترض على هذه الجزاءات، وطلب من النيابة الإدارية إقامة الدعوى التأديبية قبل المحالين لعدم تناسب الجزاءات الموقعة عليهم مع المخالفات التي ارتكبوها، وتم إرسال الأوراق النيابة الإدارية التي قامت بإيداعها أمام المحكمة. 



وبشأن المخالفة المنسوبة للمحالين قالت المحكمة إنها  تتمثل في أنهم سهلوا استيلاء سائقي شركة السهام البترولية على كميات من مادة "النافتا" بلغت قيمتها (1,859,741) جنيها عقب إثبات تفريغها على خلاف الحقيقة دون أن تحدد دور كل واحد من المتهمين في المخالفة المنسوبة إليهم.

وكان الاتهام المنسوب إلى المحالين من الأول حتى الخامس قد جاء شائعاً، فلم تحدد النيابة الإدارية المخالفة المنسوبة إلى كل محال منهم في ضوء تخصصه وطبيعة الأعمال المسندة إليه، والدور المقرر له وظيفياً حيال استلام وتسليم هذه المنتجات تحديداً ومسئوليته عن تفريغ السيارات لحمولتها من مادة "النافتا"، كما لم تحدد على وجه الدقة أوجه المخالفة والقصور في أداء كل منهم لأعمال وظيفته ودرجة مساهمته في ارتكاب المخالفة، فجاء الاتهام المنسوب إلى كل منهم مبهماً غير واضح، على النحو الذي لم تتمكن معه المحكمة من تحديد وجه المخالفة المنسوبة إلى كل من المحالين ومدى مسئوليته في ارتكاب المخالفة.

وتبين للمحكمة من خلال مطالعتها لتحقيقات النيابة العامة التي تمت مع المحالين في الواقعة المنسوبة إليهم، أنه لم يتم مواجهة كل محال بالمخالفة المنسوبة إليه تفصيلاً وذلك ببيان واقعات محددة في توقيتات محددة أهمل فيها كل محال في أداء عمله مما ترتب عليه وقوع هذه المخالفة، وذلك حتى يتمكن كل محال من إبداء أوجه دفاعه والرد على الاتهامات المنسوبة إليه وتفنيدها وبيان مدى صحة الأدلة المقدمة ضده.

وكل ما حدث أن النيابة العامة اكتفت بمواجهة كل محال بما انتهى إليه تقرير اللجنة التي شكلتها لبحث الواقعة، دون مواجهاتهم بأفعال محددة اقترفوها أو بمسلك معين صدر عنهم وكان سبباً في وقوع المخالفة، وجاءت مواجهاتهم بتقرير اللجنة بشكل عام مجمل دون تحديد أو بيان لما اشتمل عليه هذا التقرير من تفصيلات.

وإذا كانت المخالفة المنسوبة للمحالين تتمثل في أنهم "سهلوا استيلاء سائقي شركة السهام البترولية على كميات من مادة "النافتا"، فإن تحقيقات النيابة العامة قد خلت تماماً من أدنى إشارة إلى السائقين الذين سهل لهم المحالون الاستيلاء على المادة المذكورة، فلم يتم تحديدهم بأسمائهم، ولم يتم بالتالي سؤالهم أو بيان العلاقة التي تربطهم بالمحالين.

كما خلت التحقيقات من بيان ماهية الفائدة التي عادت على المحالين من تسهيل استيلاء السائقين على المادة المذكورة، فضلاً عن ذلك فإنه لم يتم إثبات واقعة استيلاء السائقون على هذه المادة، وبذلك تكون التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة مع المحالين قد أصابها القصور الشديد، على نحو لا تصلح معه لأن تكون أساساً لتوجيه الاتهام للمحالين.


وأكدت المحكمة على إن تقرير اللجنة التي شكلتها النيابة العامة لبحث المخالفة المنسوبة للمحالين لم يتضمن أدلة وبراهين محددة وقاطعة الدلالة على ارتكاب المحالين للمخالفة المنسوبة إليهم، وجاءت أدلة التقرير في مجملها ظنية الدلالة لا تفيد على وجه القطع واليقين تسهيل المحالين استيلاء سائقي شركة السهام البترولية على مادة "النافتا"، بل لم يحدد التقرير ما إذا كان ذلك التسهيل قد تم على سبيل القصد والعمد أم على سبيل التقصير والإهمال، ومن ثم فإن هذا التقرير لا يصلح سنداً لإدانة المحالين بالمخالفة المنسوبة إليهم.

وإزاء ما سبق، وفي ضوء شيوع التهمة المنسوبة للمحالين، والقصور الذي شاب تحقيقات النيابة العامة، وعدم شمول تقرير اللجنة التي شكلتها النيابة العامة لبحث الواقعة على أدلة وبراهين قاطعة الدلالة على ثبوت ارتكاب المحالين للمخالفة المنسوبة إليهم، إنتهت المحكمة إلى أن قيام المحالون بسداد قيمة العجز في عهدتهم لا يعد إقرار منهم بارتكابهم لهذه المخالفة، فقد حرصوا على التأكيد بأن ذلك كان لسداد العجز الحاصل بعهدتهم، وبالتالي يتعين الحكم ببراءة جميع المتهمين. 

الجريدة الرسمية