ولد الهدى (الحلقة السابعة عشرة)، رسول الله أرجح الناس عقلا وأبلغهم حكمة
في شهر ربيع الأول، أشرقت الدنيا بنور النبوة، ووُلد خير من وطِئ الثرى، سيدنا محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وآله وسلم، ذلك الميلاد الذي لم يكن حدثًا عابرًا، بل كان بداية لفجر جديد أضاء ظلمات الجاهلية، وأعاد للإنسانية رشدها، وأرشدها إلى صراط الله المستقيم.
في هذه السلسلة المباركة، نتفيأ ظلال السيرة العطرة، ونستعرض بعضًا من مناقب الحبيب المصطفى، وصفاته الخُلُقية والخَلقية، وشمائله التي مدحها رب العالمين، وأثنى عليها السابقون واللاحقون من أهل الإيمان.
كان صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلا، وأبلغهم حكمة
كان سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، أرجح الناس عقلا، وامتاز سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، بحكمة بالغة، ورشد فاق الذرا، عن سائر خلق الله.
ذكاؤه، صلى الله عليه وآله وسلم، كان خارقا، بل كان معجزا، ومن ثّمَّ استطاع أن يبلغ رسالة ربه، ودك حصون جبابرة قريش، وما حولها، وفي سنوات قلائل انتشر الإسلام في بقاع الأرض، وسقطت ممالك وإمبراطوريات، بفضل حكمة النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وذكائه، وفطنته.
كان، صلوات ربي وتسليماته عليه، يخاطب كل إنسان بما يستوعبه عقله، ويعامله أفضل المعاملة، فأحبه الجميع، واحترمه الأعداء قبل الأصدقاء.
في صلح الحديبية
ومثال على هذه الحكمة، في صُلحِ الحُدَيبيَةِ، حين دعا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الكاتِبَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "اكتُبْ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ. فقال سُهَيلٌ: أمَّا الرَّحمنُ فواللهِ ما أدري ما هو! ولكِنِ اكتُبْ: باسمِك اللَّهُمَّ. فقال المسلِمون: واللهِ لا نكتُبُها إلَّا بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: اكتُبْ: باسمِك اللَّهُمَّ. ثمَّ قال: هذا ما قاضى عليه محمَّدٌ رسولُ اللهِ. فقال سُهَيلٌ: واللهِ لو كُنَّا نعلَمُ أنَّك رسولُ اللهِ ما صدَدْناك عن البيتِ ولا قاتَلْناك، ولكِنِ اكتُبْ: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ. فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: واللهِ إنِّي لرَسولُ اللهِ، وإن كذَّبْتُموني، اكتُبْ: محمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ...".
ويروي أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ الله عنه: بينما نحن في المسجِدِ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذ جاء أعرابيٌّ، فقام يبولُ في المسجدِ، فقال أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: مَهْ مَهْ! قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا تُزْرِموه دَعوه، فتركوه حتَّى بال، ثمَّ إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعاه، فقال له: إنَّ هذه المساجِدَ لا تصلُحُ لشيءٍ من هذا البولِ ولا القَذَرِ، إنَّما هي لذِكرِ اللهِ عزَّ وجَلَّ والصَّلاةِ وقراءةِ القُرآنِ، أو كما قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: فأمَر رجلًا من القومِ فجاء بدَلوٍ من ماءٍ فشَنَّه عليه".
ويفسر ابن كثير: "معلوم لكل ذي لُب (عقل سليم) أن محمدا، صلى الله تعالى عليه وسلم، من أعقل خلق الله تعالي، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق في نفس الأمر".
ويوضح الماوردي في "أعلام النبوة": "وأما الوجه الثاني: في كمال أخلاقه فيكون بست خصال: إحداهن: رجاحة عقله، وصدق فراسته، وقد دل على وفور ذلك فيه: صحة رأيه، وصواب تدبيره، وحسن تألفه".
أما وهب بن منبه، فقال: "قرأتُ في أحد وسبعين كتابا، فوجدت في جميعها أن النبي، صلى الله تعالى عليه وسلم، أرجح الناس عقلا، وأفضلهم رأيا".
وفى رواية أخرى: "فوجدت في جميعها أن الله لم يُعْطِ جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ إلا كحبة رمل من بين رمال الدنيا".
في صغره
فقبل البعثة، اشتهر، صلى الله عليه وسلم، مِنْ صِغره ومنذ نشأته بسمو عقله على أقرانه ومَنْ في سِنِّه، فمنذ كان غلاما، والعقل يزينه، ولقد بدا ذلك لجده عبد المطلب الذي أخذه صغيرا ليعوده أخلاق الرجال المكتملين.
خلال إقامته ببيت عمه أبى طالب، بعد وفاة جده، كان غلاما وسط أولاده، لا يسبق إلى الطعام، بل يتريث، غير نهم ولا طامع، وقد يكتفي بالقليل أو ما دونه حتى يتنبه إليه عمه الشفيق فيقرب الطعام إليه، حتى إذا بلغ قدرا يستطيع فيه الاكتساب عمل برعى الأغنام ليأكل من عمل يده، ثم طلب من عمه أبى طالب أن يأخذه معه إلى الشام في قافلة تجارة قريش، وهو في الثانية عشرة من عمره.
ولاقتناعهم التام بكمال عقله كان كبراء قريش يدعونه لحضور ندواتهم واجتماعاتهم، التي يناقشون خلالها أمورا حياتية مهمة، وخطيرة، فهو يحضر فاحصا ما يقال فيها من حق يرضاه، وباطل يجفوه ولا يقره، ويحضر حلف الفضول، ويرى ـ لعقله الكامل المدرك ـ أنه لا يسره به حمر النعم، ولا يرى نصرة للحق أقوى منه، ويخبر ـ بعد ذلك ـ أنه لو دُعِي به في الإسلام لأجاب تكريما له وإعلاء لقدره.
وقبل بعثته كان ينفر من عادات الجاهلية التي كانت تحرم وتحلل من غير بينة ولا علم، فلم يُرَ ساجدا لصنم قط، لأن العقل السليم والفطرة النقية تأبى ذلك، فيستحلفه الراهب باللات والعزى فيقول وهو غلام: "ما كرهت شيئا كما كرهتهما"، ويختلف مع تاجر، فيستحلفه التاجر باللات والعزى، فيمتنع، فيسلم له التاجر بحقه من غير حلف لأمانته.
رفض الاشتراك في حرب الفجار
لم يخض صلى الله عليه وآله وسلم، مع الخائضين في الجاهلية، وكان لا يحب الحرب، ولذلك لم يشارك في حرب الفجار، إلا بتجهيز السهام لأعمامه حماية لهم ورحمة بهم، بموجب الرحم الواصلة، لا بموجب الحرب التي أحلت فيها الحرمات والأشهر الحرم.
قصة الحجر الأسود
وحقن ـ بحكمته ـ دماء كثيرة، وأوقف حروبًا طاحنة، وقصة الحجر الأسود شاهدة على ذلك، فقبل بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخمس سنوات ـ اجتمعت قريش لتجديد بناء الكعبة لِما أصابها من تصدع جدرانها، وكانت لا تزال كما بناها إبراهيم ـ عليه السلام ـ رضما (حجارة) فوق القامة، وقد تم تقسيم العمل في بناء الكعبة بين القبائل، وتولت كل واحدة منها ناحية من نواحي الكعبة، فجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود دبَ الشقاق بين قبائل قريش، فكل يريد أن ينال شرف رفع الحجر الأسود إلى موضعه، وكادوا أن يقتتلوا فيما بينهم، حتى جاء أبو أمية بن المغيرة المخزومي فاقترح عليهم أن يحكّموا فيما اختلفوا فيه أول من يدخل عليهم من باب المسجد الحرام، فوافقوا على اقتراحه وانتظروا أول قادم، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما إن رأوه حتى هتفوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد، وما إن انتهى إليهم حتى أخبروه الخبر، فقال: (هلمّ إليَّ ثوبا)، فأتوه به فوضع الحجر في وسطه ثم قال: (لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا) ففعلوا، فلما بلغوا به موضعه أخذه بيده الشريفة ووضعه في مكانه.
لقد كانت قريش على علم بكمال عقله، وقوة إدراكه، فرضيت به حكما، ساعة أن احتدم الجدل، وكادت المعارك أن تشتعل بينهم، ومن ثم قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد.
فتنة الأوس والخزرج
وبعد الهجرة إلى المدينة، قضى على الفتنة التي كادت تقع بين الأوس والخزرج، بسبب تأليب اليهود في المدينة، وبين المهاجرين والأنصار أثناء غزوة بني المصطلق، وفي عقد المعاهدات والصلح، وفي معاملة الأصدقاء والأعداء، إلى غير ذلك مما لا يحصيه العد في سيرته العطرة، صلوات الله وسلامه عليه.
يوضح القاضي عياض: "ومن تأمل تدبيره ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمْر بواطن الخلق وظواهرهم، وسياسة الخاصة والعامة، مع عجيب شمائله، وبديع سيره، فضلا عما أفاضه من العلم، وقرره من الشرع، دون تعلّم سبق، ولا ممارسة تقدمت، ولا مطالعة للكتب، لم يمتر في رجحان عقله، وثقوب فهمه لأول وهلة، ومما يتفرع عن العقل ثقوب الرّأي وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب، ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، واقتفاء الفضائل، واجتناب الرذائل.
وقد بلغ ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك الغاية التي لم يبلغها بشر سواه، صلى الله عليه وسلّم.. ومن تأمل حسن تدبيره للعرب الذين كالوحش الشارد، والطبع المتنافر المتباعد، كيف ساسهم، واحتمل جفاهم، وصبر على أذاهم، إلى أن انقادوا إليه، واجتمعوا عليه، وقاتلوا دونه أهليهم: آباءهم وأبناءهم، واختاروه على أنفسهم، وهجروا في رضاه أوطانهم وأحبابهم، من غير ممارسة سبقت له، ولا مطالعة كتب يتعلّم منها سنن الماضين، فتحقّق أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعقل الناس، ولما كان عقله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ أوسع العقول لا جرم اتسعت أخلاق نفسه الكريمة اتساعا لا يضيق عن شيء".
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
تابع موقع فيتو عبر قناة (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــــنا
تابع موقع فيتو عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا



