رئيس التحرير
عصام كامل

«آلام العرب تتجدد فى ذكرى حريق الأقصى».. اليهودى دينيس مايكل روهان يحرق ثلث المسجد فى 21 أغسطس 1969.. 22 فلسطينيا يستشهدون فداءً له فى 1990.. نتنياهو يرسم خطة لتقسيم المسجد

حريق المسجد الأقصى-صورة
حريق المسجد الأقصى-صورة أرشيفية

تمر هذه الأيام الذكرى الـ44 لإحراق المسجد الأقصى المبارك، أول قبلة للمسلمين وثانى المسجدين وثالث الحرمين الشريفين، وهى ذكرى أليمة للغاية ليس على الشعب الفلسطينى فحسب بل أيضا على كل عربى ومسلم، كونه أحد أهم المعالم التاريخية والأثرية والإسلامية، إضافة إلى مكانته المقدسة عند المسلمين.


تعرض المسجد لحريق هائل في عام 1969 تسبب في تدمير أجزاء كبيرة من معالمه التاريخية والأثرية، وأتلف الحريق ما يقرب من ثلث مساحة المسجد القبلى الإجمالية.

اندلع حريق المسجد الأقصى في صباح يوم الخميس الموافق 21 أغسطس من عام 1969 على يد المتطرف اليهودى دينيس مايكل روهان بتدبير وتخطيط مسبق لتتوافق وتتزامن مع الذكرى الـ78 لعقد أول مؤتمر صهيوني بسويسرا عام 1897، وقد تسبب الحريق في القضاء على كامل الجناح الشرقى للمسجد والذي شمل منبر صلاح الدين. ومن ضمن المعالم التي أتت عليها النيران مسجد عمر، الذي كان سقفه من الطين والجسور الخشبية، ويمثل ذكرى دخول عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مدينة القدس وفتحها، إضافة إلى تخريب محراب زكريا المجاور، ومقام الأربعين المجاور لمحراب زكريا، وثلاثة أروقة من أصل سبعة ممتدة من الجنوب إلى الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة.

كما تعرض للتخريب جزء من السقف الذي سقط على الأرض خلال الحريق، وعمودين مع القوس الحجري الكبير بينهما تحت قبة المسجد، و74 نافذة خشبية كما تأثرت قبة المسجد المصنوعة من الفضة الخالصة والعديد من الزخارف والآيات القرآنية.

واستطاع الفلسطينيون إنقاذ بقية المسجد من أن تأكله النار وتولت لجنة إعمار المسجد الأقصى التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية إزالة آثار الحريق الذي تعرض له المسجد الأقصى وترميمه وإعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبى.

ويتعرض المسجد الأقصى لاعتداءات متكررة وممنهجة منذ بداية الاحتلال الإسرائيلى لمدينة القدس في عام 1967، إما عن طريق القيام بالحفريات حول المسجد الأقصى المبارك أو مبانيه أو ساحاته أو جدرانه لدرجة تصدع بعض أجزاء منها، فضلا عن السماح للمتطرفين اليهود باقتحام باحات المسجد من وقت إلى آخر واستفزاز المصلين أو منعهم من أداء الصلاة في المسجد وخاصة في أيام الجمعة حيث يزداد الإقبال على أداء الصلاة في المسجد.

وتشكل مسألة استمرار عمليات الحفر، تحت زعم البحث عن هيكل سليمان أو غيرها من الحجج الواهية خطورة كبيرة على وضعية المسجد الأقصى ومبانيه ومعالمه التاريخية وهويته الإسلامية التي يسعى الاحتلال الإسرائيلى جاهدا لتغييرها ليصبح المسجد تابعا لدائرة الآثار الإسرائيلية.

كان أول هذه الاعتداءات إقدام اليهودى مايكل روهان على إضرام النيران في الجناح الشرقى للمسجد، غير أن سلطات الاحتلال آنذاك زعمت أن هذا الحريق تسبب فيه ماس كهربائى ولكن لجان التحقيق التي ضمت مهندسين فلسطيينيين أثبتت أن هذا الحريق كان متعمدا، ما أجبر الجانب الإسرائيلى على تغيير ادعائه وتحويل الشبهة إلى شاب يهودى استرالى الجنسية يدعى مايكل روهان، وبعد قيام السلطات الإسرائيلية بالقبض على هذا الشاب في محاولة يائسة لإطفاء نار الغضب الفلسطينى والعربى والإسلامى، زعمت إسرائيل أن هذا الشاب كان "معتوها" وقامت بإطلاق سراحه وترحيله إلى بلده.

ونظرا لما تحمله هذه الجريمة من تبعات خطيرة على الصعيدين العربى والإسلامى، وفى ظل الخسارة الفادحة على الأصعدة الدينية والحضارية والإنسانية، فقد قام مجلس الأمن الدولى انذاك بعقد اجتماع وإصدرا قرار رقم 271 الذي تضمن إدانة إسرائيل في محاولاتها للنيل من المسجد الأقصى وإلزامها بالتراجع عن كل التدابير التي تحاول النيل من هوية المسجد الإسلامية.

ولم تقف الاعتداءات على المسجد الأقصى عند هذا الحد، بل امتدت لتتحول إلى سياسة ممنهجة تقوم على إدارتها سلطات الاحتلال الإسرائيلى التي تسمح للمتطرفين اليهود بعمليات الحفر والتنقيب أسفل المسجد الأقصى، ما يعرض أساسات المسجد لخطر كبير ويهدد بتدمير بنيانه. ويقوم المتطرفون اليهود بهذه العمليات الحفرية منذ عام 1968. فقد شهد هذا العام بدء الإسرائيليين في حفر نفق طويل وعميق أدخلوا إليه سفر التوراة وشيدوا في داخله كنيسًا يهوديًا.

ونظرا للقيود التعسفية التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلى على كل من يرتاد المسجد الأقصى، فقد تكررت الاشتباكات بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى بسبب تلك الإجراءات القمعية والتي تتطور لتصل إلى حد ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين المدافعين عن حرمة وقدسية المسجد المبارك.

يذكر أنه وقعت مجزرة في عام 1990 في المسجد ضد الفلسطينيين، وكانت واحدة من المجازر البربرية التي ارتكبها الإسرائيليون بحق من اعتادوا التردد على المسجد الأقصى وتلقى العلم في منابر العلماء، حيث أسفرت هذه الجريمة عن مقتل 22 فلسطينيا.

وفى 8 أكتوبر 1990، وقعت مذبحة بالمسجد الأقصى عندما حاول متطرفون يهود ممن يسمون بجماعة "أمناء جبل الهيكل" وضع حجر الأساس للهيكل الثالث المزعوم في ساحة الحرم القدسي الشريف، الأمر الذي دفع أهالي القدس لمنع المتطرفين اليهود من تدنيس المسجد الأقصى، ما أدى إلى وقوع اشتباكات بين المتطرفين اليهود الذين يقودهم غرشون سلمون زعيم "أمناء جبل الهيكل" مع نحو خمسة آلاف فلسطيني قصدوا المسجد لأداء الصلاة فيه، وتدخل جنود حرس الحدود الإسرائيليون الموجودون بكثافة داخل الحرم القدسي، وأخذوا يطلقون النار على المصلين دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 21 شهيدا وجرح أكثر من 150 منهم، كما اعتقل 270 شخصا داخل وخارج الحرم القدسي الشريف، وكانت تلك الأحداث هي التي فجرت انتفاضة الأقصى الأولى.

وتوالت المذابح الدامية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلى الغاشم ضد المصلين في المسجد الأقصى أو غيره من الأماكن المقدسة لدى المسلمين ومن بينها مذبحة الحرم الإبراهيمي بالخليل في 25 فبراير عام 1994 حين دخل باروخ جولدشتاين ومجموعة من مستوطنى كريات أربع المسجد الإبراهيمي وقت صلاة الفجر، ووقف جولدشتاين خلف أحد أعمدة المسجد وانتظر حتى سجد المصلون وفتح نيران سلاحه الرشاش على المصلين وهم سجود، فيما قام آخرون بمساعدته في تعبئة الذخيرة التي احتوت رصاص دمدم المتفجر، واخترقت شظايا القنابل والرصاص رءوس المصلين ورقابهم وظهورهم لتصيب أكثر من 350 منهم.

وبلغت ذروة عمليات حفر الأنفاق تحت بنيان المسجد الأقصى في عام 1996 حيث أقدم الإسرائيليون على حفر نفق يمر أسفل السور العربى للمسجد ويربط بين حائط البراق وطريق الآلام، الأمر الذي أثار في حينه غضب المقدسيين وأشعل موجة من المواجهات المسلحة التي اتسعت رقعتها لتشمل جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأسفرت تلك المواجهات عن سقوط 65 فلسطينيًا و15 جنديًا إسرائيليًا بالإضافة إلى إصابة 1600 من الفلسطينيين وهو ما فجر انتفاضة الأقصى الثانية.

وفى شهر سبتمبر من عام 2000، أقدم الجنرال الإسرائيلى ورئيس الوزراء السابق آرئيل شارون على اقتحام المسجد الأقصى والتجول بساحاته الداخلية بصحبة 3000 جندى إسرائيلى، وتصاعدت وتيرة الأحداث واندلعت انتفاضة الأقصى الثالثة.

وفى الفترة من عام 2000 وحتى الوقت الراهن، تتوالى الاعتداءات والاقتحامات التي يقوم بها المتطرفون اليهود سواء بشكل فردى أو بشكل جماعى والتي تستهدف النيل من حرمة المسجد وتدنيسه واستفزاز مشاعر المقدسيين، بل إنها وصلت في بعض الأحيان إلى حد التهديد بقصف المسجد نفسه لتدميره وبناء "الهيكل الثالث" المزعوم لليهود مكانه.

وقد بدأت الجماعات اليهودية المتطرفة في الإعلان عن تأسيس جمعية لبناء كنيس يهودى على أجزاء من المسجد الأقصى، ونشرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث أمس صورة توضح المكان الذي ترغب هذه الجمعية في بناء الكنيس عليه وهو مدخل المسجد المروانى الذي يعد من أورع الأماكن في التصميم المعمارى العتيق والمميز الذي يضمها المسجد الأقصى ويمتد لمساحة شاسعة تحت ساحات المسجد ومدخله يقع في الجهة الجنوبية الشرقية منه.

ولا تزال المزيد من المخاطر تهدد هذا الكيان المقدس. فبخلاف سياسة قوات الاحتلال الإسرائيلية في فرض سيطرتها على مداخل المسجد الأقصى ومبانيه وانتشار دوريات الشرطة الإسرائيلية في محيطه التي تمنع المصلين بين الحين والآخر من دخول المسجد، تتزايد يوما بعد يوم وتيرة الاعتداءات التي تقوم بها الجماعات اليهودية المتطرفة التي تقوم باقتحامات وتدنيسات متكررة لباحات المسجد الأقصى وتقيم شعائرها اليهودية والتلمودية هناك، بالإضافة إلى قيام مجموعات أخرى بإقامة حفلات الرقص والغناء والمجون في تحد سافر لمشاعر المسلمين.

وعلاوة على ذلك، تسعى السلطات الإسرائيلية بين الحين والآخر إلى إفراغ مدينة القدس من المسلمين وخاصة محيط المسجد الأقصى كما تمنع دخول المصلين وتعمل على تهديدهم ومراقبتهم. وتنتهج السلطات الإسرائيلية حاليا سياسة لتهديد كيان وأبنية المسجد الأقصى التي تأثرت بشدة بسبب الأنفاق وعمليات الحفريات التي يقوم بها اليهود، عن طريق منع دخول مواد البناء والترميم، ما يعرض بعض أبنية الحرم القدسى لخطر الانهيار.

وقد أشارت العديد من الحركات والمؤسسات الفلسطينية المعنية بشئون المسجد الأقصى، إلى أن ما يحدث الآن من اعتداءات متكررة ومتنامية على المسجد الأقصى هو جزء من سعى الاحتلال الإسرائيلى لفرض تقسيم المسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود وفرض سياسة الأمر الواقع بقوة الاحتلال.

وذكرت ورقة عمل أعدها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، أن مخططات تقسيم المسجد الأقصى تسير في اتجاهين وهما التقسيم الزمانى والتقسيم المكانى للمسجد الأقصى. فبالنسبة للتقسيم الزمانى، يسعى الجانب الإسرائيلى برعاية المنظمات اليهودية وبعض الشخصيات السياسية الإسرائيلية، إلى تخصيص أوقات لقيام اليهود بدخول المسجد الأقصى وإقامة شعائرهم التلمودية فيه وذلك في غير أوقات الصلوات الخمس للمسلمين.

وتقوم المجموعات اليهودية التي تقتحم باحات المسجد الأقصى بشكل يومى بخطة كالتالى: "اقتحام المسجد الأقصى المبارك من جهة باب المغاربة، الزاوية الشرقية للجامع القبلى المسقوف، ثم يتوجهون لمنطقة الكأس ووجوههم تجاه قبة الصخرة ثم يذهبون إلى المنطقة الشرقية باب الرحمة يؤدون بعض الطقوس التلمودية ومنها الانبطاح ويتجولون من الناحية الشمالية ثم يخرجون من باب السلسلة وخلال تواجد المستوطنين تقوم الشرطة الإسرائيلية معززة بالأسلحة والعصى الكهربائية بمنع وجود المصلين خلال اقتحام المستوطنين لباحات الأقصى".

يذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو طالب قبل الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بتقسيم المسجد الأقصى بشكل زمانى يتبعه تقسيم مكانى على غرار ما حصل للحرم الإبراهيمى في مدينة الخليل.

أما بالنسبة للتقسيم المكانى، فقد انتهجت السلطات الإسرائيلية منذ احتلالها لمدينة القدس سياسة مصادرة أملاك المقدسيين ومصادرة أراضيهم وهدم منازلهم واعتقالهم وفرض ضرائب عليهم. 

يذكر أن إسرائيل أقرت في عام 2010 ضم المسجد الإبراهيمى إلى قائمة التراث اليهودى وفرضت قيودا على الصلاة فيه وخاصة في أعياد اليهود.

وتحذر الكثير من الحركات والمؤسسات المعنية بشئون الأقصى من أن التقسيم الزمانى للمسجد الأقصى قد بدأ فعليا من خلال إعطاء الضوء الأخضر للجمعيات الاستيطانية للوصول للمسجد الأقصى واستباحه باحاته ومرافقه بأعداد كبيرة خاصة في الفترة الصباحية والاعتداءات المتكررة لليهود على المسجد من خلال التسلل عبر أسطح المنازل والذي أصبح أمرا واقعا يحدث كل يوم تحت حراسة السلطات الإسرائيلية وموافقة المسئولين الإسرائيلين ما هو إلا نذير خطر محدق بالتقسيم المكانى للمسجد والسيطرة اليهودية عليه وعلى كامل مرافقه والصلاة فيه أو حتى هدمه تنفيذا للمخطط اليهودى بناء "الهيكل الثالث" المزعوم. فهذا الخطر الداهم يدفع باتجاه مواجهات أخرى حادة ودامية بين الفللسطييين، المدافعين عن حرمة المسجد المبارك، والإسرائيليين الذي لن تردعهم الدماء من أجل تنفيذ مخططاتهم التهويدية للمسجد الأقصى.
الجريدة الرسمية